للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وذَهَب الزمخشري إلى أنَّ التَّوفِّي مِنْ اسْتِيفَاء الأجَل، فقال: (إِنِّي مُتَوَفِّيكَ) أي: مُسْتَوفِي أجَلَك. مَعْنَاه: إني عَاصِمُك مِنْ أنْ يَقْتُلَك الكُفَّار، ومُؤَخِّرك إلى أجَل كَتَبْتُه لَك، ومُمِيتُك حَتْف أنْفِك لا قَتِيلًا بأيدِيهم.

وقيل: (مُتَوَفِّيكَ) قَابِضُك مِنْ الأرْض، مِنْ تَوَفَّيتُ مَا لِي عَلى فُلان إذا اسْتَوفَيته.

وقيل: مُميتُك في وَقْتك بَعد النُّزُول مِنْ السَّمَاء، ورَافِعُك الآن. وقيل: مُتَوَفِّي نَفْسك بالنَّوم (١).

ونَقَل ابن عَطية عن الفَرّاء قَوله: هي وَفَاة مَوْت، ولكِنّ الْمَعْنَى: إني مُتَوَفِّيك في آخِرِ أمْرِك عِند نُزُولِك وقَتْلِك الدَّجَال؛ فَفِي الكَلام تَقْدِيم وتَأخِير.

وضَعّف قَول من قال: إنَّ مَعْنَى مُتَوفِّيك: مُتَقَبِّل عَمَلك، فقال: وهذا ضَعيف مِنْ جِهة اللَّفْظ.

ثم وَجّه ابن عطية قَول ابن عباس الْمَرْوي في أنَّ الوَفَاة هي الْمَوت، فقَال: فَقَول ابن عباس رضي الله عنه: هي وَفَاة مَوت. لا بُدّ أن يُتَمَّم؛ إمَّا على قَول وَهْب بن مُنبه (٢)، وإمَّا على قَول الفرّاء (٣).

وقال الرَّازي في قَوله تعالى: (إِنِّي مُتَوَفِّيكَ)، وفي قَوله تعالى: (فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي) [المائدة: ١١٧]:

واخْتَلَف أهْل التأويل في هاتين الآيتين على طَريقَين:

أحَدُهما: إجْراء الآية على ظَاهِرها مِنْ غَير تَقْدِيم ولا تَأخِير فيها.

والثاني: فَرْض التَّقْدِيم والتَّأخِير فيها.


(١) الكشاف، مرجع سابق (١/ ٣٩٤)، ويُنظر: (٤/ ١٣٣) باختصار.
(٢) نَقَل عن وهب بن منبِّه قوله: تَوَفَّاه الله بالْمَوت ثَلاث سَاعات ورَفَعه فيها، ثم أحْياه الله بَعد ذلك عنده في السَّمَاء.
(٣) المحرر الوجيز، مرجع سابق (١/ ٤٤٤).

<<  <   >  >>