للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والوَجْه الثَّانِي: إنِّي مُسْتَوفٍ مُدَّة إقَامَتِك، وقَابِضُك مِنْ الأرْض، ورَافِعُك إليّ.

والوَجْه الثَّالِث: أنَّ عِيسى عليه السَّلام رُفِع حَال كَونه نَائمًا، فَعَلَى هَذا تَكُون الوَفَاة بِمَعْنَى النَّوم، إذْ النَّوم وَفَاة صُغْرَى، والنَّوْم أخوْ الْمَوْت، كَمَا في الْحَدِيث.

ولا تَعَارُض بَين هَذه الأوْجُه، إذْ يَجُوز أن يَكُون رُفِع حَال كَونه نائمًا، ويَكون قَدْ اسْتَوفَى أجَلَه عَلى الأرْض في دَعْوَة مَنْ بُعِثَ إلَيهِم، ثم إنَّ الله سَوف يَتَوفَّاه بَعْد نُزُولِه وقَتْلِه الدَّجَّال في آخِر الزَّمَان؛ وبِهَذا يَزُول التَّعَارُض، وتَجْتَمِع الأقْوال في الآية.

والذي رَجَّحَه غَير واحِد من المفسِّرين، كابْن جَرير والثعلبي والقرطبي وغيرهم: أنه قُبِض مِنْ غير نَوْم ولا وَفَاة.

"والصحيح أنَّ الله تعالى رَفَعَه إلى السَّماء مِنْ غَير وَفَاة ولا نَوم، كما قال الحسن وابن زيد، وهو اختيار الطبري، وهو الصحيح عن ابن عباس، وقاله الضحاك" (١).

أمَّا عَلى القَول بأنّ الْمَقْصُود بِالوَفَاة هنا: الْمَوْت، فلا بُدّ مِنْ حَمْلِه على الوَفَاة بَعد نُزُولِه إلى الأرْض، لأنَّ الْمَرْوي عن ابن عباس في ذلك مُحْتَمِل لِذَلك، فَقد رَوى ابن جرير - بإسناده - إلى ابن عباس في قوله: (إِنِّي مُتَوَفِّيكَ) يقول: إني مُمِيتُك (٢)، وليس فيه التَّصْرِيح بالإمَاتة عِند رَفْعِه، فإنَّ الفِعْل الْمُضَارِع يَدُلّ "على التّجَدّد والْحُدُوث، وهو الْمَشْهُور عِند البَيَانِيين" (٣)، وقول ابن عباس: "مُمِيتُك" مُحْتَمِل للتَّأخِير، أي بَعْد إنْزَالِه في آخر الزَّمان.


(١) الجامع لأحكام القرآن، مرجع سابق (٤/ ١٠١).
(٢) جامع البيان، مرجع سابق (٥/ ٤٥٠).
(٣) البرهان في علوم القرآن، مرجع سابق (٤/ ٧٢).

<<  <   >  >>