للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أمَّا قَول وَهْب بن مُنبِّه فهو صَريح في ذلك، إلَّا أنه لا حُجَّة فيه، لأنه مِمَّا تَلَقَّاه عَنْ أهْل الكِتَاب، ووهب بن مُنبِّه ممن عُرِف عنه ذلك، كما أنَّ الرِّواية عن وَهْب فيها ضَعْف (١).

ولِذلك فإنَّ ابن جرير لَمَّا رَوى قول وهب بن مُنبِّه أعقَبَه بالرواية عن ابن إسحاق مِنْ أنَّ النَّصَارَى يَزْعُمُون أنَّ الله تَوفَّاه سَبْع سَاعَات مِنْ النَّهَار (٢).

ومما يُضعِّف هذا القول أيضًا أنَّ "في إنْجِيل مُرْقس في الفصل السادس عشر التَّصْرِيح بِرَفْع الْمَسِيح عليه السلام إلى السَّمَاء" (٣).

والآية الثانية: (وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِه) تُضَعِّفه، فَهْي دَالَّة على أنَّ هُناك مَنْ يُؤمِن بِه قَبْل مَوْتِه، وهَذا دَالّ عَلى أنه لَم يَمُت، إذْ أنَّ مَنْ مَات لا يَرجِع إلى الدُّنيا، ويَدلّ عليه قَوله تعالى عن الحياة الدنيا: (أَنَّهُمْ لَا يَرْجِعُونَ) [يس: ٣١]، وقوله تبارك وتعالى: إنه سَبَق مِنِّي أنَّهم إليها لا يَرْجِعُون (٤).

وفي رواية: إني قَضَيْتُ الْحُكْم أنَّهُم إليها لا يَرْجِعُون (٥).

ولَولا هذه الأدِلَّة والبَرَاهِين لأمْكَن تَكَلُّف حَمْل الوَفَاة عَلى حَقِيقَتِها، وذلك بأن يُقَال: هذه الوَفَاة لَيْسَتْ هي وَفَاة الْمَوْت بانْتِهَاء الأجَلَ التي مَنْ قُضِيَتْ عَليه لا يَرْجِع إلى الدُّنيا، بل هِي وَفَاة ما دُون الأجَل، ونَظِيرُها وَفَاة عُزَير، ووفَاة مَنْ تَوَفَّاه اللهُ مِنْ بَني إسْرائيل؛ فَفِي خَبَر عُزَير: (أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَمَاتَهُ اللَّهُ مِائَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قَالَ كَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالَ بَلْ لَبِثْتَ مِائَةَ


(١) رواها ابن جرير في "جامع البيان" (٥/ ٤٥٠) من طريق ابن إسحاق عمّن لا يَتّهِم، ففيها جهالة الراوي الذي لم يُسَمّ، وفيها تَدليس ابن إسحاق. وتُنظر: ترجمة ابن إسحاق في تهذيب التهذيب، ابن حجر (٥/ ٢٦).
(٢) انظر: جامع البيان، مرجع سابق (٥/ ٤٥٠).
(٣) نقلًا عن: محاسن التأويل، مرجع سابق (١٠/ ٤٥٥).
(٤) رواه الترمذي (ح ٣٠١٠)، وابن ماجه (ح ٢٨٠٠).
(٥) رواها الإمام أحمد (ح ١٤٨٨١)، وقال مُحَقِّقُوه: إسْنَادُه حَسَن.

<<  <   >  >>