للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ثم قال: وأوْلى القَولين في ذلك بالصَّواب قَول مَنْ قَال: مَعْنَاه كَأنك حَفِيّ بالْمَسْأَلَة عنها، فَتَعْلَمها. فإن قَال قَائل: وكَيف قِيل: (حَفِيٌّ عَنْهَا) ولم يَقُل: حَفِيّ بها، إنْ كَان ذلك تَأوِيل الكَلام؟ قِيل: إنَّ ذَلك قِيل كَذلك، لأنَّ الْحَفَاوة إنما تَكُون في الْمَسْألة، وهي البَشَاشَة للمَسْؤول عِند الْمَسْألة، والإكْثَار مِنْ السُّؤال عنه، والسُّؤال يُوصِل بـ (عن) مُرّة وبـ (الباء) مَرّة، فيُقَال: سَألْتُ عنه، وسَألْتُ به، فَلَمَّا وَضِع قَوله حَفِيّ مَوْضِع السُّؤال وُصِل بأغْلَب الْحَرْفَين اللَّذَين يُوصَل بِهِما السُّؤال، وهْو (عن) كما قال الشَّاعر:

سُؤال حَفِيّ عن أخِيه كَأنه بِذِكْرَتِه وَسْنَانُ أوْ مُتَوَاسِنُ

وأمَّا قَوله: (قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ)، فإنَّ مَعْنَاه: قُلْ يا مُحَمَّد لِسَائلِيك عَنْ وَقْت السَّاعَة، وحِين مَجِيئها: لا عِلْمَ لي بِذَلك، ولا يَعْلَم بِه إلَّا الله الذي يَعْلَم غَيْب السَّمَاوات والأرْض (١).

وقال السمرقندي: قَوله تعالى: (يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ) يَعني عَنْ قِيام السَّاعة. (أَيَّانَ مُرْسَاهَا) يَعني مَتى حِينها وقِيامها. ويُقال: هَذا الكَلام على الاخْتِصَار، وَمَعْنَاه: أي أَوَان قيامها. ثم قال: (قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي) يَعني علْم قيَام السَّاعَة عند رَبي، ومَا لِي بِها مِنْ عِلْم .... ثم قال: (يَسْأَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا) قال مُقاتل: كَأنك اسْتَخْفَيْتَ عنها السُّؤال حتى عَلِمْتَها.

وقال القَتَبي: أي كَأنك حَفِيّ تَطْلُب عِلْمها، ومِنه يُقَال: تَحَفّى فُلان بالقَوم، إذا بَالَغ في البِرّ. ويُقَال: (كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا) يَعْني كَأنك جَاهِل بها. ويُقال: في الآية تَقْدِيم، ومَعْنَاه: يَسْألُونَك عَنْها كَأنك عَالِم بها (قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي) .... ثم قال:


(١) جامع البيان، مرجع سابق (١٠/ ٦١٠ - ٦١٥) باختصار.

<<  <   >  >>