للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وأوْرَد الثعلبي في الآية أقْوالًا، منها:

قَول عَطاء: وَدُّوا لو تُسَوَّى بهم الأرْض وإنهم لَم يَكُونُوا كَتَمُوا أمْرَ محمدٍ صلى الله عليه وسلم ولا نَعْتَه.

وقَول آخَرِين: بَلْ هو كَلام مُسْتَأنَف، يَعْنِي: ويَكْتُمُون الله حَدِيثًا (١)؛ لأنَّ مَا عَمِلُوا لا يَخْفَى على الله عَزَّ وَجَلّ، ولا يَقْدِرُون عَلى كِتْمَانِه.

ثم أورَد قَول ابن عباس في الآية.

وقَول الْحَسَن عن الآخِرَة: إنها مَوَاطِن؛ فَفِي مَوْطِن لا يَتَكَلَّمُون ولا يُسْمَع إلَّا هَمْسًا، وفي مَوَاطِن يَتَكَلَّمُون ويَكْذِبُون، ويَقُولُون: مَا كُنَّا مُشْرِكِين، ومَا كُنَّا نَعْمَل مِنْ سُوء، وفي مَوْطِن يَعْتَرِفُون عَلى أنْفُسِهم، وهو قوله عز وجل: (فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ) [الملك: ١١]، وفي مَوْضِع آخَر يَسْأَلُون الرَّحْمَة، وإنَّ آخِر تِلك الْمَوَاطِن أنَّ أفْوَاهَهم تُخْتَم وجَوَارِحُهم تَتَكَلَّم، وهو قَوله تَعالى: (وَلَا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثًا) (٢).

ورَبَط الزمخشري بَين أوَّل الآية وبَين آخِرِها، فَقَال: (وَلَا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثًا): ولا يَقْدِرُون عَلى كِتْمَانِه، لأنَّ جَوَارِحَهم تَشْهَد عَليهم.

وقِيل: الوَاو للحَال، أي: يَوَدُّون أن يُدْفَنُوا تَحْتَ الأرْض وأنهم لا يَكْتُمُون الله حَدِيثًا ولا يَكْذِبُون في قَولهم: (وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ)؛ لأنهم إذا قَالُوا ذلك وَجَحَدُوا شِرْكَهم خَتَم الله على أفْوَاهِهم عِند أفْوَاهِهم عِند ذلك وتَكَلَّمَت أيْدِيهم وأرْجُلُهم بِتَكْذِيبِهم، والشَّهَادة عليهم بالشَّرك، فَلِشِدّة الأمْر عليهم يَتَمَنَّون أنْ تُسَوّى بهم الأرْضِ (٣).


(١) لا يَظهر استقامة المعنى على كونه مُستَأنفًا، إذ لو كان مُستأنفًا لكان المعنى: ولا يكتمون الله حَديثًا. أمَّا على مَا حَمَله عليه الثعلبي مِنْ مَعنى غَير مُسْتَأنف، لارْتِبَاط الْمَعْنى بأوَّل الآية، أي يَوَدُّون لو كَتَمُوا الله حَديثًا وسُوّيت بهم الأرْض.
(٢) الكشف والبيان، مرجع سابق (٣/ ٣١١) باختصار.
(٣) الكشاف، مرجع سابق (ص ٢٣٧).

<<  <   >  >>