للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وأمَّا مَا جاء عنه في كِتاب "الأسْنَى في شَرْح أسْمَاء الله الْحُسْنَى" (١) مِنْ عِبَارة: أظْهَر الأقْوَال - وإن كُنْتُ لا أقُول بِه ولا أخْتَارُه - مَا تَظَاهَرَتْ عليه الآيُ والأخْبَار والفُضَلاء الأخْيَار؛ أنَّ الله سُبحانه على عَرْشِه كَمَا أخْبَر في كِتَابِه بِلا كيف، بَائن مِنْ جَمِيع خَلْقِه؛ هذا جُمْلَة مَذْهَب السَّلَف الصَّالِح.

فهذه الْجُمْلَة - وإن كُنْتُ لا أقُول بِه ولا أخْتَارُه - مُحْتَمِلة لأمْرين:

الاحْتِمَال الأول: أن تَكُون مُتَقَدِّمَة على تَقْرِير عَقِيدَة السَّلَف في الاسْتِوَاء، كَمَا قَرَّرَها في التفسير.

وكِتَاب "الأسْنَى" مُتَقَدِّم على التفسير، فَهو يُحِيل عليه في التفسير كَثِيرا، فقد أحَال عليه في أكْثر مِنْ ثَلاثين مَوْضِعًا (٢).

فَعَلى افْتِرَاض ثُبُوت تلك الْجُمْلَة عن القرطبي فهي في كِتاب مُتقدِّم، وتَقْرِير عَقيدة السَّلَف في التفسير، وهو كِتَاب مُتأخِّر، والْمُتأخِّر يَقْضِي على الْمُتَقَدِّم إذا تَعَارَضَ كَلام العَالِم.

الاحْتِمَال الثاني: أن تَكُون مُقْحَمة في الكِتَاب؛ وهذا أرجَح، لِعِدَّة اعْتِبَارَات:

الأوَّل: أن ابن تيمية نَقَل عنه قوله دُون تِلك الْجُمْلَة (٣)، وابن تيمية يُعتبر مُعاصِرًا للقرطبي، إذ أنَّ وِلادَة ابن تيمية سنة ٦٦١ هـ (٤) ووفاة القرطبي سنة ٦٧١ هـ، وعلى هذا يُعْتَبَر ابن تيمية أقْدَم مَنْ نَقَل عِبَارة القرطبي، وأقْرَب النَّاس إلى زَمَانِه.


(١) (٢/ ١٢٢).
(٢) انظر على سبيل المثال: (١/ ٩١)، (١/ ٣٠٣)، (١/ ٣٦٧)، (٢/ ٨٢)، (٢/ ١٢٥).
(٣) انظر: دَرْء تَعَارُض العَقْل والنَّقْل (٦/ ٢٥٨)، و"بيان تلبيس الجهمية" (٢/ ٣٦)، و"مجموع الفتاوى" (٣/ ٢٦١).
(٤) انظر: البداية والنهاية، ابن كثير (١٧/ ٤٥١).

<<  <   >  >>