للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وأوْجَز ابنُ عَطية الأقْوَال، فَقَال: اخْتَلَف الْمُتَأَوِّلُون في صِفَة ارْتِفَاع الأنْسَاب؛ فَقَال ابن عباس وغيره: هَذا في النَّفْخَة الأُولى. وذَلك أنَّ النَّاس بأجْمَعِهم يَمُوتُون فَلا يَكُون بَيْنَهم نَسَب في ذَلك الوَقْت وهُم أمْوَات.

ثم قَال: وهَذا التَّأوِيل يُزِيل مَا في الآيَة مِنْ ذِكْر هَوْل الْحَشْر.

وقال ابن مسعود وغَيره: إنَّما الْمَعْنَى: أنه عِنْد النَّفْخَة الثَّانِيَة وقِيَام النَّاس مِنْ القُبُور فَهُمْ حِينَئذٍ لِهَول الْمَطْلَع واشْتِغَال كُلّ امْرِئ بِنَفْسِه قَدْ انْقَطَعَت بَيْنَهم الوَسَائل، وزَال انْتِفَاع الأنْسَاب؛ فَلِذَلك نَفَاها. فَالْمَعْنَى: فَلا أنْسَاب.

ورُوي عن قَتادة أنه قَال: لَيْس أحَد أبْغَض إلى الإنْسَان في ذَلك اليَوْم مِمَّنْ يَعْرِف، لأنه يَخَاف أنْ تَكُون لَه عِنْدَه مَظْلَمَة. وفي ذَلك اليَوم يَفِرّ الْمَرْء مِنْ أخِيه وأُمِّه وأبِيه وصَاحِبَتِه وبَنِيه، ويَفْرَح كُلّ أحَدٍ يومَئذٍ أنْ يَكُون لَه حَقّ عَلى ابْنِه وأَبِيه، وقد وَرَدَ بِهَذَا حَدِيث.

وكَذلك ارْتِفَاع التَّسَاؤل والتَّعَارُف لِهَذِه الوُجُوه التي ذَكَرْنَاهَا، ثم تَأتِي في القِيَامَة مَوَاطِن يَكُون فِيها السُّؤَال والتَّعَارُف.

واسْتَحْسَن ابنُ عَطية هذا القول بقَوله: وهَذا التَّأوِيل حَسَن، وهو مَرْوِيّ الْمَعْنَى عن ابنِ عباس (١).

وذَكَر الرازي وُجُوهًا في الْجَمْع بَيْن الآيَات، فَقَال في قَوله تَعالى: (وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ) [الصافات: ٢٧]: الآيَة تَدُلّ عَلى أنَّ الْمَسْألَة الْحَاصِلَة بَيْنَهم إنّما كَانَتْ عَلى سَبِيل أنَّ بَعْضَهم يَلُوم بَعْضًا، والدَّلِيل عَليه قَوله: (فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ) [القلم: ٣٠] (٢)، وقَوله: (فَلا


(١) المحرر الوجيز، مرجع سابق (٤/ ١٥٦).
(٢) وهذا الاستدلال مُتعقّب من حيث إن الآية في قِصّة أصْحَاب الْجَنَّة، وليْسَتْ في الآخِرَة.

<<  <   >  >>