للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وذَكَر الثعلبي قَول ابن عباس: "لا يَفْتَخِرُون بالأنْسَاب في الآخِرَة كَمَا كَانُوا يَفْتَخِرُون"، وقَول أبي العالية: هو كَقَولِه: (وَلَا يَسْأَلُ حَمِيمٌ حَمِيمًا) [المعارج: ١٠]، وقَوْل ابن جُريج: مَعْنَى الآيَة: لا يَسْأل أحَد يَوْمَئذٍ شَيئًا بِنَسَبٍ، (وَلَا يَتَسَاءَلُونَ) لا يَمُتّ إليه بِرَحِم.

ثم قال الثعلبي: واخْتَلَف الْمُفَسِّرُون في الْمُرَاد بِقَولِه: (فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ) أي النَّفْخَتَين عَنَى؟

فقال ابن عباس: هي النَّفْخَة الأُولى (١).

وقال ابن مسعود: هي النَّفْخَة الثَّانِيَة (٢).

واقتصر الزمخشري على ذِكر جَوَابَيْن، فَقَال مُتَسَائلًا: فإن قُلْتَ: قَدْ نَاقَضَ (٣) هَذا ونَحو قَوله: (وَلَا يَسْأَلُ حَمِيمٌ حَمِيمَا) [المعارج: ١٠] قَوله: (وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ) [الصافات: ٢٧]، وقَوله: (يَتَعَارَفُونَ بَيْنَهُمْ) [يونس: ٤٥] فَكَيف التَّوْفِيق بَيْنَهُما؟

قُلْتُ: فِيه جَوَابَان:

أحَدُهما: أنَّ يَوْم القِيَامَة مِقْدَارُه خَمْسُون ألْفَ سَنَة، فَفِيه أزْمِنَة وأحْوَال مُخْتَلِفَة؛ يَتَسَاءَلُون ويَتَعَارَفُون في بَعْضِها، وفي بَعْضِها لا يَفْطُنُون لِذلك لِشِدَّة الْهَول والفَزَع.

والثَّاني: أن التَّنَاكُر يَكُون عِنْد النَّفْخَة الأُولى، فَإذا كَانَتِ الثَّانِيَة قَامُوا فَتَعَارَفُوا وتَسَاءَلُوا (٤).


(١) ثم رَوى بإسْنَاده إلى ابن عباس قوله في ذلك. وأسْند إلى ابن مسعود قوله أيضًا.
(٢) الكشف والبيان، مرجع سابق (٧/ ٥٦، ٥٧).
(٣) تَعقّبه الناصر في حاشيته على الكشاف (ص ٧١٥) حول هذا الأسلوب. فليُنظَر.
(٤) الكشاف، مرجع سابق (ص ٧١٥).

<<  <   >  >>