للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَتَسَاءَلُونَ). فَقال عليه الصلاة والسلام: ثَلاث مَوَاطِن تَذْهَل فِيها كُلّ نَفْس: حِين يُرمَى إلى كُلّ إنْسَان كِتَابه، وعِنْد الْمَوَازِين، وعَلى جِسْر جَهَنَّم (١).

وَرَدًّا عَلى الْمَلاحِدَة الذين طَعَنُوا في القُرْآن، وزَعَمُوا فِيه التَّنَاقُض بَيْن هَذه الآيَات فَقَال في الْجَمْع بَينها: مِنْ وُجُوه (٢):

أحَدها: أنَّ يَوْم القِيَامة مِقْدَاره خَمْسُون ألْفَ سَنَة، فَفِيه أزْمِنَة وأحْوَال مُخْتَلِفَة، فَيَتَعَارَفُون ويَتَسَاءَلُون في بَعْضِها، ويَتَحَيَّرون في بَعْضِها لِشِدَّة الفَزَع.

وثَانِيها: أنه إذا نُفِخَ في الصُّور نَفْخَة وَاحِدَة شُغِلُوا بأنْفُسِهم عَنْ التَّسَاؤل، فَإذا نُفِخَ فيه أُخْرَى أقْبَل بَعْضُهم عَلى بَعْض، وقَالُوا: (يَاوَيْلَنَا مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ) [يس: ٥٢].

وثَالِثها: الْمُرَاد: لا يَتَسَاءَلُون بِحُقُوق النَّسَب.

ورَابِعها: أنَّ قَوله: (وَلَا يَتَسَاءَلُونَ)، صِفَة للكُفَّار، وذَلك لِشِدَّة خَوْفِهم. أمَّا قوله: (فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ)، فهو صِفة أهْل الْجَنَّة إذا دَخَلُوها (٣).

واخْتَار ابن جُزيّ أنَّ مَعْنَى الآيَة (فَلَا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ): أنه يَنْقَطِع يَومئِذٍ التَّعَاطُف والشَّفَقَة التي بَيْن القَرَابَة؛ لاشْتِغَال كُلّ أحَدٍ بِنَفْسِه، كَقَولِه: (يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ (٣٤) وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ) [عبس: ٣٤، ٣٥]، فَتَكُون الأنْسَاب كَأنّها مَعْدُومَة.

(وَلَا يَتَسَاءَلُونَ)، أي: لا يَسْأل بَعْضُهم بَعْضًا، لاشْتِغَال كُلّ أحَدٍ بِنَفْسِه.

ثم أوْرَد سُؤالًا قال فيه:


(١) التفسير الكبير، مرجع سابق (٢٣/ ١٠٦)، وسيأتي تخريج الحديث (ص ٢٣٧، ٢٣٨).
(٢) وبعضها قَدَّمه أولًا ثم كَرَّرَه بعد ذلك.
(٣) التفسير الكبير، مرجع سابق (٢٣/ ١٠٦، ١٠٧).

<<  <   >  >>