للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فَإن قِيل: كَيف الْجَمْع بَيْن هَذا وبَيْن قَوله: (وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ) [الصافات: ٢٧]؟

فالْجَوَاب: أنَّ تَرْك التَّسَاؤل عِنْد النَّفْخَة الأُولى ثُمَّ يَتَسَاءَلُون بَعْد ذَلك، فَإنَّ يَوْم القِيَامَة يَوْم طَوِيل، فِيه مَوَاقِف كَثِيرَة (١).

وفي تَفْسِير سُورَة النِّساء أوْرَد ابنُ كَثير قَول ابن مسعود رضي الله عنه (٢).

وقَال في تَفْسِير سُورَة الْمُؤمِنُون: يُخْبِر تعالى أنه إذا نُفِخَ في الصُّور نَفْخَة النُّشُور وقَام النَّاس مِنْ القُبُور (فَلَا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَتَسَاءَلُونَ)، أي لا تَنْفَع الإنْسَان يَومئِذ ولا يَرْثِي وَالِد لِولَده ولا يَلوي عَليه. قَال الله تَعالى: (وَلَا يَسْأَلُ حَمِيمٌ حَمِيمًا) [المعارج: ١٠]، أي: لا يَسْأل القَرِيب قَرِيبَه وهو يُبْصِره، ولَو كَان عَليه مِنْ الأوْزَار مَا قَدْ أثْقَل ظَهْرَه، وهو كَان أعَزّ النَّاس عَليه في الدُّنيا مَا الْتَفَتَ إليه، ولا حَمَل عَنه وَزْن جَنَاح بَعُوضَة.

قَال الله تعالى: (يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ (٣٤) وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ (٣٥) وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ (٣٦) لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ) [عبس: ٣٤، ٣٧] (٣).

ثم أورَد ابن كثير قَول ابن مسعود رضي الله عنه في فَرَح القَرِيب أن يَكُون لَه الْحَقّ على قَرِيبِه، وأورَد أحَادِيث مَرْفُوعَة، مِنها:

قوله عليه الصلاة والسَّلام: مَا بالُ رِجَال يَقُولُونَ: إنَّ رَحِم رَسُول الله صلى الله عليه وسلم لا تَنْفَع قَومَه؟ بَلَى والله، إنَّ رَحِمِي مَوْصُولَة في الدُّنيا والآخِرَة، وإني أيها


(١) التسهيل لعلوم التنزيل، مرجع سابق (٣/ ٥٦، ٥٧).
(٢) المرجع السابق (٤/ ٥١) في تفسير قوله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا) [النساء: ٤٠].
(٣) تفسير القرآن العظيم، مرجع سابق (١٠/ ١٤٨).

<<  <   >  >>