للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

مِنْ أَخِيهِ (٣٤) وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ (٣٥) وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ (٣٦) لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ) [عبس: ٣٤ - ٣٧]، ونَفْي نَفْع السَّبَب إذا دَهَم مِثْل هَذا مَعْرُوف (١).

ثم أورَد القَاسمي مَعْنَى (وَلَا يَتَسَاءَلُونَ)، فَقَال: لا يَسْأل بَعْضُهم بَعْضًا، لِعِظَم الْفَزَع، وشِدَّة مَا بِهِمْ مِنْ الأهْوَال، وذُهُولِهم عَمَّا كَان بَيْنَهم مِنْ الأحْوَال، فَتَنْقَطِع العَلائق والوُصَل التي كَانَتْ بَيْنَهم، وجَلِيّ أن نَفْي التَّسَاؤل إنّما هو وَقْت النَّفْخ، كَمَا دَلّ عَليه قَوله: (فَإِذَا) أي: فَوَقْت القِيَام مِنْ القُبُور، وهَوْل الْمَطْلَع، يَشْتَغِل كُلٌّ بِنَفْسِه. وأمَّا مَا بَعْدَه فَقَد يَقَع التَّسَاؤل، كَمَا قَال تَعالى: (وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ) [الصافات: ٢٧]؛ لأنَّ يَوْم القِيَامة يَوْم مُمْتَدّ، فَفِيه مَشَاهِد ومَوَاقِف، فَيَقَع في بَعْضِها تَسَاؤل، وفي بَعْضِها دَهْشَة تَمْنَع مِنه (٢).

واخْتَار الشنقيطي "أنَّ الْمُرَاد بِنَفْي الأنْسَاب انْقِطَاع فَوَائِدها وآثَارِها التي كَانت مُتَرَتِّبَة عَليها في الدُّنيا مِنْ العَوَاطِف والنَّفْع، والصِّلات والتَّفَاخُر بالآبَاء، لا نَفْي حَقِيقَتِها" (٣).

وأمَّا نَفْي السُّؤال عَنه مِنْ ثَلاثَة أوْجُه، هي:

الأوَّل: أنّ نَفْي السُّؤَال بَعْد النَّفْخَة الأُولى وقَبْل الثَّانِيَة، وإثْبَاته بَعْدَهما مَعًا.

الثَّاني: أنَّ نَفْي السُّؤال عِنْد اشْتِغَالِهم بِالصَّعْق والْمُحَاسَبَة والْجَوَاز عَلى الصِّرَاط، وإثْبَاته فِيما عَدا ذَلك.

الثَّالِث: أنَّ السُّؤال الْمَنْفِي سُؤال خَاصّ، وهو سُؤَال بَعْضِهم العَفْو مِنْ بَعْض فِيمَا بَيْنَهم مِنْ الْحُقُوق لِقُنُوطِهم مِنْ الإعْطَاء، ولَو كَان الْمَسْؤول أبًا أوْ ابْنًا أوْ أمًا أوْ زَوْجَة.


(١) (١١/ ٣١٧).
(٢) محاسن التأويل، مرجع السابق (١١/ ٣١٧).
(٣) دفع إيهام الاضطراب، مرجع سابق (ص ١٤٥، ١٤٦).

<<  <   >  >>