للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقَال الرازي في قَوله تَعَالى: (مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ) [الأعراف: ٢٠]: يُمْكِن أن يَكُون هَذا الكَلام ذَكَره إبْليس بِحَيث خَاطَبَ بِه آدَم وحَوَّاء، ويُمْكِن أيضًا أن يَكُون وَسْوَسَة أوْقَعَها في قُلُوبِهما. والأمْرَان مَرْوِيَّان إلَّا أنَّ الأغْلَب أنه كان ذلك على سَبِيل الْمُخَاطَبَة (١).

وقال في جَواب عن سُؤال طَرَحه: كَيف وَسْوَس إليه وآدَم كَان في الْجَنَّة وإبْلِيس أُخْرِج منها؟

والْجَوَاب:

قال الْحَسَن: كَان يُوَسْوِس مِنْ الأرْض إلى السَّمَاء، وإلى الْجَنَّة بالقُوَّة الفَوقِيَّة التي جَعَلها الله تَعالى له.

وقال أبو مُسلم الأصْفهاني: بَلْ كَان آدَم وإبليس في الْجَنَّة؛ لأنَّ هَذه الْجَنَّة كَانَتْ بَعض جَنَّات الأرْض (٢)، والذي يَقُولُه بَعْض النَّاس مِنْ أنَّ إبْليس دَخَل في جَوْف الْحَيَّة ودَخَلَت الْحَيَّة في الْجَنَّة، فَتِلْك القِصَّة الرَّكِيكَة مَشْهُورَة (٣).

وقال آخَرُون: إنَّ آدَم وحَوَّاء رُبَّمَا قَرُبا مِنْ بَاب الْجَنَّة وكَان إبليس واقِفًا مِنْ خَارِج الْجَنَّة عَلى بَابِهَا فَيَقْرُب أحَدُهما مِنْ الآخَر، وتَحْصُل الوَسْوَسَة هُناك (٤).

وقال ابن كثير في تَفْسير سُورة البقرة: وقد ذَكَر الْمُفَسِّرُون مِنْ السَّلَف كالسُّدّي بأسَانِيده وأبي العالية ووَهْب بن مُنَبِّه وغيرهم هاهنا أخْبَارًا إسْرَائيلِيَّة عن قِصَّة الْحَيَّة


(١) التفسير الكبير، مرجع سابق (١٤/ ٣٩).
(٢) أطال ابن القيم النَّفَس في مُناقشة هذه المسألة. يُنظر: مفتاح دار السعادة (١/ ١٢٥ وما بعدها).
قال ابن كثير (١/ ٣٦٣): وقد اخْتُلِف في الجنة التي أُسْكِنها آم أهي في السماء أم في الأرض؟ فالأكثرون على الأول، وحَكِي القرطبي عن المعتزلة والقدرية القول بأنها في الأرض.
وينظر: صحيح البخاري، كتاب بدء الخلق. باب ما جاء في صفة الجنة وأنها مخلوقة (٣/ ١١٨٣).
(٣) تقدّم انتصار ابن جرير لهذه القصة.
(٤) التفسير الكبير، مرجع سابق (١٤/ ٣٨).

<<  <   >  >>