للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أحَدُها - قَول القُصَّاص - وهُو الذي رَوَوه عن وَهْب بن مُنَبِّه اليَمَاني والسُّدي عن ابن عباس رضي الله عنهما وغيره - فَذَكَر مَا تَقَدَّم مِنْ دُخُول إبْليس في فَمِ الْحَيَّة - وثَانِيها: أنَّ إبْليس دَخَل الْجَنَّة في صُورَة دَابَّة، وهَذا القَول أقَلَّ فَسَادًا مِنْ الأوَّل.

وثَالِثها: قَال بَعْض أهْل الأُصُول: إنَّ آدَم وحَوَّاء عَليهما السَّلام لَعَلَّهُما كَانَا يَخْرُجَان إلى بَاب الْجَنَّة، وإبليس كان بِقُرْب البَاب ويُوَسْوس إلَيْهِما.

ورَابِعها: هُو قَول الْحَسَن - أنَّ إبْليس كَان في الأرْض وأوْصَل الوَسْوَسَة إليهما في الْجَنَّة. قَال بَعضهم: هذا بَعِيد لأنَّ الوَسْوَسَة كَلام خَفِيّ، والكَلام الْخَفِيّ لا يُمْكِن إيصَاله مِنْ الأرْض إلى السَّمَاء.

واخْتَلَفُوا مِنْ وَجْه آخَر: وهو أنَّ إبْليس هل بَاشَر خِطَابَهما، أوْ يُقَال: إنه أوْصَل الوَسْوَسَة إليهما على لِسَان بَعض أتْبَاعِه؟

فَذَكَر حُجَج الفَرِيقَين، ثم قَال:

حُجَّة القَول الأوَّل: قَوله تَعالى: (وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ) [الأعراف: ٢١]، وذلك يَقْتَضِي الْمُشَافَهَة، وكَذا قَوله: (فَدَلَّاهُمَا بِغُرُورٍ) [الأعراف: ٢٢].

وحُجَّة القَول الثَّاني: أنَّ آدَم وحَوَّاء عليهما السلام كانا يَعْرِفَانِه ويَعْرِفَان مَا عِنْدَه مِنْ الْحَسَد والعَدَاوة، فَيَسْتَحِيل في العَادَة أن يَقْبَلا قَوله (١)، وأن يَلْتَفِتَا إليه، فلا بُدّ وأن يَكُون الْمُبَاشِر للوَسْوَسَة مِنْ بَعض أتْبَاع إبْليس (٢).


(١) لم يتوصّل إبليس إلى مُرادِه إلا بحيل، منها:
الأيمان الكاذبة (وَقَاسَمَهُمَا)، فَهما لم يقبلا منه بادئ ذي بدء، والوُعُود بالملك والخلود: (أَنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ). وقِيل: لما حلف له إبليس صدقه، لأنه ظن أنه لا يحلف أحدٌ كذبًا.
التسهيل لعلوم التنزيل (١/ ٤٥). وينظر لذلك: إغاثة اللهفان من مصائد الشيطان، ابن القيم (ص ١٢٠) وما بعدها، والصواعق المرسلة، ابن القيم (١/ ٣٧٥).
(٢) التفسير الكبير، مرجع سابق (٣/ ١٥، ١٦) بتصرف واختصار.

<<  <   >  >>