للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقال في مَوْضِع آخَر: (أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ) فيه مَعْنَيانِ:

أحَدهما: أنّهم يُبَادِرُون إلى فِعْل الطَّاعَات.

والآخَر: أنّهم يَتَعَجَّلُون ثَوَاب الْخَيْرَات، وهَذا مُطَابِق للآية الْمُتَقَدِّمَة (١)، لأنه أثْبَت فيهم مَا نُفِيَ عَنْ الكُفَّار مِنْ الْمُسَارَعَة. (وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ) فِيه الْمَعْنَيَان الْمَذْكُورَان في (يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ).

وقِيل: مَعْنَاه: سَبَقَتْ لَهم السَّعَادة في الأزَل (٢).

وبَيَّن القَاسِمي مَعْنى "لِكلّ وِجْهَة"، ثم نَبَّه إلى أنَّ الآيَة تُشِير إلى "أنَّ النَّاس على مَذَاهِب عَدِيدَة وأدْيَان مُتَنَوِّعَة، وأنَّ عَلى العَاقِل أن يَسْتَبِق إلى مَا كَان خَيْرها وأرْقَاها.

وقد اتَّفَق العُقَلاء قَاطِبَة والفَلاسِفَة أنَّ دِين الإسْلام أرْقَى الأدْيَان كُلّها لِما حَوى مِنْ حَاجِيَّات الكَمَال البَشَرِي، وَوَفَّى بشُؤون الاجْتِمَاع، وأسْبَاب العُمْرَان، وذَرَائع الرُّقيّ وطُرُق السَّعَادَتَين" (٣).

كَمَا بَيَّن أنَّ قَوله تَعالى: (إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ) تَعْلِيل لِمَا فَصَّل مِنْ فُنُون إحْسَانِه تَعالى، الْمُتَعَلِّقَة بالأنْبِيَاء الْمَذْكُورِين، أي: كَانُوا يُبَادِرُون في كُلّ بَاب مِنْ الْخَيْر، وإيثَار (في) عَلى (إلى) للإشارَة إلى ثَبَاتِهم واسْتِقْرَارِهم في أصْل الْخَيْر؛ لأنَّ (إلى) تَدُلّ على الْخُرُوج عَنْ الشَّيء والتَّوَجُّه إلَيه (٤).

وفي تَفْسِير قَوله تَعالى: (أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ) قال: أي: في نَيْل الْخَيْرَات التِي مِنْ جُمْلَتِها الْخَيْرَات العَاجِلَة الْمَوْعُودَة عَلى الأعْمَال الصَّالِحَة (٥).


(١) يَعني قَوله تعالى: (وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ) [المؤمنون: ٦٠].
(٢) التسهيل لِعلُوم التنْزِيل، مرجع سابق (٣/ ٥٣).
(٣) محاسن التأويل، مرجع سابق (٢/ ٤٧٤).
(٤) المرجع السابق (١١/ ٢٣٠).
(٥) المرجع السابق (١١/ ٣٠٧).

<<  <   >  >>