للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ثم قَال تَعالى: (وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلِأَنْفُسِكُمْ) يَعْنِي مَا تُنْفِقُوا مِنْ مَالٍ فَثَوابُه لأنْفُسِكم إذا تَصَدَّقْتُم على الكُفَّار أوْ عَلى الْمُسْلِمِين.

ورُوي عن عُمر بن الخطاب أنه رَأى رَجُلًا مِنْ أهْل الذِّمَّة يَسأل على أبْوَاب الْمُسْلِمِين، فَقَال: مَا أنْصَفْنَاك، أخَذْنا مِنْك الْجِزْيَة مَا دُمْتَ شَابًا ثُم ضَيَّعْنَاك بَعْد مَا كَبِرْت وَضَعُفْت، فأمَر بِأن يُجْرَى عليه قُوته مِنْ بَيْت الْمَال (١).

في حين ذَكَر الزمخشري سبب النُّزُول بِصِيغَة تَمرِيض، فَقال: وقِيل: حَجَّتْ أسْمَاء بنت أبي بكر - رضي الله عنهما - فأتَتْهَا أُمُّها تَسْألها وهي مُشْرِكَة، فأبَتْ أن تُعْطِيها، فَنَزَلَتْ.

وذَكَر الزمخشري مَا جَاء عن سعيد بن جبير. ثم قال: ورُوي أنَّ نَاسًا مِنْ المسلمين كانَت لَهم أصْهَار في اليَهُود ورضَاع، وقَد كَانوا يُنْفقُون عليهم قَبل الإسْلام فَلَمَّا أسْلَمُوا كَرِهُوا أن يُنْفِقُوهم (٢).

وعن بعض العُلَمَاء: لَو كان شَرّ خَلْق الله لَكَان لك ثَوَاب نَفقَتِك (٣).

وأمَّا ابن عطية فأكْثر نَقْل القرطبي الْمُتَقَدِّم عنه، إلَّا أن ابن عطية زاد بِقوله: والْهُدَى الذي لَيس على مُحمد صلى الله عليه وسلم هو خَلْق الإيمان (٤) في قُلُوبِهم،


(١) بحر العلوم، مرجع سابق (١/ ٢٠٥).
(٢) هكذا في المطبوع. وفي "معالم التنزيل" (١/ ٢٥٨): فلما أسلموا كرهوا أن ينفقوا عليهم.
(٣) الكشاف، مرجع سابق ص (١٥٢).
(٤) هذا اللفظ مما أنكره الإمام أحمد، ففي اعتقاد الإمام أحمد، ابن أبي يعلى (١/ ٣٠٢): وسئل عن الإيمان أمخلوق أو غير معلوق؟ فقا: من قال إن الإيمان مخلوق فقد كفر؛ لأن في ذلك إيهامًا وتعريضًا بالقرآن. ومن قال إنه غير مخلوق فقد ابتدع؛ لأن في ذلك إيهامًا وتعريضًا أن إماطة الأذى عن الطريق وأفعال الأركان غير مخلوقة. فكأنه أنكر على الطائفتين.
وأصله الذي بنى عليه مذهبه أن القرآن إذا لم يَنْطِق بشيء، ولا رُوي في السنة عن النبي صلى الله عليه وسلم فيه شيء، وانقرض عصر الصحابة ولم يُنقل فيه عنهم قول.
الكلام فيه حدث في الإسلام، فلأجل ذلك أمْسَك عن القول في "خلق الإيمان"، وألا يُقْطَع على جَواب في أنه مخلوق أو غير مخلوق، وفسق الطائفتين وبدعهما

<<  <   >  >>