للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقِيل: (ازْدَادُوا كُفْرًا) بالذُّنُوب التي اكْتَسَبُوها، وهذا اخْتِيَار الطبري، وهي عِنْدَه في اليَهُود.

ثم قَال في قَولِه: (لَنْ تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ): مُشْكِل لِقَوله: (وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ)؛ فَقِيل: الْمَعْنَى: لَنْ تُقْبَل تَوْبَتُهم عِنْد الْمَوْت.

قال النحاس: وهذا قَول حَسَن، كَمَا قَال عَزَّ وَجَلّ: (وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ) [النساء: ١٨].

وقَد قَال صلى الله عليه وسلم: إنَّ الله يَقْبَل تَوْبَة العَبْد مَا لَم يُغَرْغِر (١).

وقِيل: لَنْ تُقْبَل تَوبَتُهم التي كَانُوا عَليها قَبْل أن يَكْفُرُوا؛ لأنَّ الكُفْر قد أحْبَطَها.

وقِيل: لَنْ تُقْبَل تَوبَتُهم إذا تَابُوا مِنْ كُفْرِهم إلى كُفْرٍ آخَر، وإنّمَا تُقْبَل تَوبَتُهم إذا تَابُوا إلى الإسْلام.

وقال قُطْرب: هَذه الآية نَزَلَتْ في قَوم من أهْل مَكَّة قَالُوا: نَتَرَبّص بِمُحَمَّد رَيْب الْمَنُون، فَإن بَدَا لَنَا الرَّجْعَة رَجَعْنا إلى قَوْمِنَا، فَأنْزَل الله تَعالى: (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا لَنْ تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ) أي: لَنْ تُقْبَل تَوبَتُهم وهُم مُقِيمُون عَلى الكُفْر، فَسَمَّاها تَوبَة غَير مَقْبُولَة؛ لأنه لم يَصِحّ مِنْ القَوم عَزْم، والله عَزَّ وَجَلَّ يَقْبَل التَّوْبَة كُلّها إذا صَحَّ العَزْم (٢).

وقال في تَفْسير قَوله تَعالى: (إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ) [النساء: ١٧]: قِيل: هَذه الآيَة عَامَّة لِكُلّ مَنْ عَمِل ذَنْبا.

قال: وإذَا تَابَ العَبْد فالله سُبْحَانه بالْخِيَار إن شَاء قَبِلَها، وإن شَاء لَم يَقْبَلْها، ولَيْس قَبُول التَّوبَة وَاجِبًا عَلى الله مِنْ طَرِيق العَقْل، كَما قَال الْمَخَالِف، لأنَّ مِنْ شَرْط


(١) رواه من حديث ابن عمر: أحمد (ح ٦١٦٠) وقال محققوه: إسناده حسن. ورواه الترمذي (ح ٣٥٣٧)، وابن ماجه (ح ٤٢٥٣) إلا أنه جعله من حديث عبد الله بن عمرو. قال المزي: وهو وهم. (تحفة الأشراف ٥/ ٢٥٨).
(٢) الجامع لأحكام القرآن، مرجع سابق (٤/ ١٢٧، ١٢٨).

<<  <   >  >>