للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الوَاجِب أن يَكُون أعْلَى رُتْبة مِنْ الْمُوجِب عَليه (١) والْحَقّ سُبحانه خَالِق الْخَلق ومَالِكُهم والْمُكَلِّف لَهم، فلا يَصِحّ أن يُوصَف بِوُجُوب شَيء عليه تَعالى عن ذلك، غير أنه قد أخْبَر سبحانه وهو الصَّادق في وَعْدِه بأنه يَقْبَل التَّوْبة عن العَاصِين مِنْ عِبَادِه، بِقوله تَعالى: (وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ)، وقوله: (أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ) [التوبة: ١٠٤]، وقَوله: (وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ) [طه: ٨٢].

فأمَّا السَّمْع فَظَاهِره قَبُول تَوبَة التَّائب.

قال أبو المعالي وغيره: وهَذه الظَّوَاهِر إنّما تُعْطِي غلبة ظَن لا قَطْعًا عَلى الله تَعالى بِقَبُول التَّوْبَة.

قال ابن عطية: وقد خُولِف أبو الْمَعَالي وغيره في هَذا الْمَعْنَى، فإذا فَرَضْنا رَجُلًا قد تَاب تَوْبَة نَصُوحًا تَامَّة الشُّرُوط، فَقَال أبو المعالي: يَغْلِب على الظَّن قَبُول تَوْبَتِه، وقال غيره: يُقْطَع على الله تَعالى بِقَبُول تَوْبَتِه، كَمَا أخْبَر عَنْ نَفْسِه جَلَّ وَعَزّ.


(١) هذا متعقب بأن الله يوجب على نفسه، وليس من شرط الواجب أن يكون أعلى من الموجب.
وقد حكى الخلاف ابن تيمية في منهاج السنة النبوية (١/ ٤٥١)، فقال: تنازعوا: هل يوصف الله تعالى بأنه أوجب على نفسه وحرم على نفسه أوْ لا معنى للوجوب إلا إخباره بوقوعه ولا للتحريم إلا إخباره بعدم وقوعه؟
ثم قال: وأما أن العباد يوجبون عليه ويحرمون عليه فممتنع عند أهل السنة كلهم. ومن قال إنه أوجب على نفسه أو حرم على نفسه، فهذا الوجوب والتحريم يعلم عندهم بالسمع.
وقال ابن القيم في شفاء العليل (١/ ٣٠٥): أوجب على نفسه إذ كتب عليها الرحمة أنه لا يعذب أحدًا إلا بعد قيام الحجة عليه برسالته.
وقد بحث هذه المسألة بتوسع في "بدائع الفوائد" فلينظر (٢/ ٣٨٩ وما بعدها) وفي "مدارج السالكين" (٣/ ١٢٨ وما بعدها).
وقال ابن أبي العز في شرح الطحاوية (ص ٥١٠): وقبول التوبة محض فضله وإحسانه، وإلا فلو عذب عبده على جنايته لم يكن ظالمًا، ولو قدر أنه تاب منها، لكن أوجب على نفسه بمقتضى فضله ورحمته أنع لا يعذب من تاب، وقد كتب على نفسه الرحمة، فلا يسع الخلائق إلا رحمته وعفوه.

<<  <   >  >>