للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

التَّوَكُّل على الله الوَاحِد القَهَّار! هذا مُوسَى نَبِيّ الله وكَلِيمه مِنْ أهْل الأرْض قد اتَّخَذ الزَّاد مَع مَعْرِفَتِه بِرَبِّه وتَوَكُّلِه على رَبِّ العِبَاد (١).

وفي قَوْله تَعالى حِكَايَة عن إبراهيم عليه الصلاة والسلام: (إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ) [إبراهيم: ٣٧] قال القرطبي: لا يَجُوز لأحَد أن يَتَعَلَّق بِهَذا في طَرْح وَلَدِه وعِيَالِه بِأرْض مَضْيَعَة اتِّكَالًا على العَزِير الرَّحِيم واقْتِدَاء بِفِعْل إبْراهيم الْخَلِيل، كَمَا تَقُول غُلاة الصُّوفِيَّة في حَقِيقَة التَّوَكُّل! فإنَّ إبراهيم فَعَل ذلك بِأَمْر الله، لِقَوْلِه في الْحَدِيث (٢): آلله أمَرَك بِهَذا؟ قال: نعم (٣).

وقال في مَسْأَلَة طَلَب الْوَلَد: وفي هَذا رَدّ على بَعْض جُهَّال الْمُتَصَوِّفَة، حَيْث قَال: الذي يَطْلُب الوَلَد أحْمَق، ومَا عَرَف أنه هُو الغَبِيّ الأخْرَق! قَال الله تَعالى مُخْبِرًا عن إبْراهيم الْخَلِيل: (وَاجْعَلْ لِي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ) [الشعراء: ٨٤]، وقال: (وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ) [الفرقان: ٧٤]. وقَد تَرْجَم البُخاري (٤) على هذا: بَاب بَاب طَلَب الوَلَد (٥).

وفي التَّفَكُّر رَدّ على الصَّوفِيَّة قَوْلَهم، إذ يَقُول: فأمَّا طَرِيقَة الصَّوفِية أن يَكُون الشَّيخ مِنهم يَوْمًا ولَيْلَة وشَهْرًا لا يَفْتُر؛ فَطَرِيقَة بَعِيدَة عن الصَّوَاب غير لائقَة بِالبَشَر، ولا مُسْتَمِرَّة على السُّنَن (٦).

وتَعقّب اسْتِدْلال الشِّبْلِي وغيره مِنْ الصُّوفيَّة على جَوَاز "تَقْطِيع ثِيَابِهم وتَخْرِيقِها بِفِعْل سُليمان هَذا (٧). قال: وهو اسْتِدْلال فَاسِد؛ لأنه لا يَجُوز أن يُنْسَب إلى نَبِيّ مَعْصُوم أنه فَعَل الفَسَاد" (٨). ثم بَيَّن الْمَقْصُود بِمَسْح السُّوق والأعْنَاق.


(١) الجامع لأحكام القرآن، مرجع سابق (١١/ ١٥).
(٢) أخرجه البخاري (ح ٣١٨٤)، وهذا القدْر مِنه موقوف على ابن عباس، وله حُكم المرفُوع.
(٣) الجامع لأحكام القرآن، مرجع سابق (٩/ ٣١٥).
(٤) الصحيح (٥/ ٢٠٠٨).
(٥) الجامع لأحكام القرآن، مرجع سابق (٤/ ٨٠).
(٦) المرجع السابق (٤/ ٣٠٦).
(٧) يَقْصِد مَا جَاء في قَوْله تعالى: (فَطَفِقَ مَسْحًا بِالسُّوقِ وَالْأَعْنَاقِ) [ص: ٣٣].
(٨) الجامع لأحكام القرآن، مرجع سابق (١٥/ ١٧٤).

<<  <   >  >>