للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ورَدّ على الصُّوفِيَّة مَا زَعَمُوه تَزَهّدًا، إذ يَقول القرطبي: وقد كَرِه بَعض الصُّوفِيَّة أكْل الطَّيِّبَات، واحْتَجَّ بِقَول عُمر رضي الله عنه: إيّاكُم واللحْم، فإنَّ لَه ضَرَاوَة كَضَرَاوَة الْخَمْر. والْجَوَاب: أنَّ هَذا مِنْ عُمر قَوْل خَرَج عَلى مَنْ خَشِي مِنه إيثَار التَّنَعُّم في الدُّنيا والْمُدَاوَمَة على الشَّهَوات، وشِفَاء النَّفْس مِنْ اللذَّات، ونِسْيَان الآخِرَة والإقْبَال على الدُّنيا؛ ولِذَلك كَان يَكْتُب عُمَر إلى عُمَّالِه: إيّاكُم والتَّنَعُّم وزِيّ أهْل العَجَم، واخْشَوْشِنُوا. ولَم يُرِد رَضي الله عنه تَحْرِيم شَيء أحَلَّه الله، ولا تَحْظِير مَا أبَاحَه الله تَبَارَك اسْمُه، وقَوْل الله عزّ وَجَلّ أوْلَى مَا امْتُثِل واعْتُمِد عليه. قال الله تعالى: (قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ) [الأعراف: ٣٢] (١).

ويقُول في هذا الْمِضْمَار: ولَيس لِمَنْ مَنَع نَفْسَه قَدْر الْحَاجَة حَظّ مِنْ بِرّ ولا نَصِيب مِنْ زُهْد؛ لأنَّ مَا حَرَمَها مِنْ فِعْل الطَّاعَة بِالعَجْز والضَّعْف أكْثَر ثَوَابًا وأعْظَم أجْرًا (٢).

وقال في تَفْسِير الْمُكَاء والتَّصْدِيَة: فِيه رَدّ على الْجُهَّال مِنْ الصُّوفِيَّة الذِين يَرْقُصُون ويُصَفِّقُون ويُصْعَقُون! وذلك كُلّه مُنْكَر يَتَنَزَّه عن مِثْله العُقَلاء، ويَتَشَبَّه فَاعِلُه بِالْمُشْرِكين فيمَا كَانُوا يَفْعَلُونَه عِند البَيْت (٣).

ولَه رُدُود على كثير مِنْ الفِرَق، إلَّا أنَّ سَرْد ذلك يَطُول.

وقد اخْتَصَرتُ القَوْل في بَيَان عَقِيدَة القرطبي؛ لأنَّ هذا الْمَقْصِد لَيس مَقْصِدًا للبَاحِث، كَمَا أنه سبقتْ دِرَاسَة مُتَخَصِّصَة في عَقِيدة القُرْطبي، وهي رِسَالة "أحمد الْمَزْيَد"، والتي بِعُنْوَان: "مَنْهَج القرطبي في أُصُول الدِّين"، وستأتي الإشَارَة إليها في الدِّرَاسَات السَّابِقَة.


(١) المرجع السابق (٧/ ١٧٨).
(٢) المرجع السابق (٧/ ١٧٠).
(٣) المرجع السابق (٧/ ٣٥١).

<<  <   >  >>