للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الأرْض فَسَادًا، إلى غير ذلك مما يَكْثُر تِعْدَاده حَسَب مَا جَاء بَيَانُها في القُرْآن، وفي أحَادِيث خَرَّجَها الأئمَة. وقد ذَكَر مُسْلِم في كِتاب الإيمان مِنْها جُمْلَة وَافِرَة، وقد اخْتَلَف النَّاس في تِعْدَادِها وحَصْرِها لاخْتِلاف الآثَار فِيها. والذي أقُول: إنه قَدْ جَاءت فِيها أحَادِيث كَثِيرَة صِحَاح وحِسَان لَم يُقْصَد بِهَا الْحَصْر، ولكِن بَعْضا أكْبَر مِنْ بَعض بالنِّسْبَة إلى مَا يَكْثُر ضَرَره، فالشِّرْك أكْبَر ذلك كُلّه، وهو الذي لا يُغْفَر لِنَصّ الله تَعالى على ذَلك، وبَعْده اليَأس مِنْ رَحْمَة الله، وبَعْده القُنُوط، وبَعْده الأمْن مِنْ مَكْر الله، وبَعْده القَتْل … إلى غير ذلك مما هو بَيّن الضَّرَر؛ فَكُلّ ذَنْب عَظَّم الشَّرْع التَّوَعُّد عَليه بالعِقَاب وشَدَّده، أوْ عَظُم ضَرَرُه في الوُجُود كَما ذَكَرْنا فهو كَبِيرَة، ومَا عَداه صَغِيرة؛ فهذا يَربط لك هذا البَاب ويَضْبِطه، والله أعلم (١).

وبيَّن القرطبي في تفسير قوله تعالى: (مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ) أنَّ الْمُرَاد بالسُّوء الشِّرْك، ونَقَل عن الحسن قَوله: هَذه الآيَة في الكَافِر، وقَرأ: (وهل يُجَازَى إلا الكَفُور) (٢)، وعنه أيضًا: (مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ) قال: ذلك لِمَنْ أرَاد الله هَوانَه، فأمَّا مَنْ أرَاد كَرَامَته فَلا، قَدْ ذَكَر الله قَوْمًا فَقَال: (أولئك الذين يُتَقَبّلُ (٣) عنهم أحْسَنُ ما عَمِلُوا ويُتَجَاوزُ عن سيئاتهم في أصْحَابِ الْجَنَّة وَعْدَ الصِّدْقِ الذِي كَانُوا يُوعَدُونَ) [الأحقاف: ١٦].

وقال الضحاك: يَعني اليَهُود والنَّصَارَى والْمَجُوس وكُفَّار العَرَب.

وقال الْجُمْهُور: لَفْظ الآيَة عَامّ، والكَافِر والْمُؤمِن مُجَاز (٤) بِعَمَلِه السُّوء؛ فأما مُجَازَاة الكَافِر، فالنَّار، لأنَّ كُفْرَه أوْبَقَه، وأمَّا الْمُؤمِن فَبِنَكَبَات الدُّنيا، كَمَا رَوى


(١) الجامع لأحكام القرآن، مرجع سابق (٥/ ١٥١ - ١٥٤) باختصار.
(٢) هي قراءة سبعية، ينظر لذلك: حجة القراءات، ابن زنجلة (ص ٥٨٧)، والميُسَّر في القراءات الأربع عشرة (ص ٤٣٠).
(٣) (يُتقبَّلُ، أحْسَنُ، ويُتَجَاوَزُ) هي قراءات سبعية، يُنظر لذلك: حجة القراءات، ابن زنجلة (ص ٦٦٤)، والميسر في القراءات الأربع عشرة (ص ٥٠٤)، وهي قراءة نافع، وهي المعتمدة في تفسير القرطبي.
(٤) كذا في طبعة دار الكتاب العربي، ولعل الصواب مجازَى.

<<  <   >  >>