للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فَمَعْنَى الآيَة على هَذا القَول: "أنَّ الله مُحَاسِب جَمِيع خَلْقِه بِجَمِيع مَا أبْدَوا مِنْ سَيئ أعْمَالِهم، وجَمِيع مَا أسَرُّوه ومُعَاقِبهم عليه، غير أنَّ عُقُوبَته إيّاهم على مَا أَخْفَوه مِمَّا لَم يَعْمَلُوه مَا يَحْدُث لَهم في الدُّنيا مِنْ الْمَصَائب والأمُور التي يَحْزَنون عليها ويَألَمُون مِنها".

وعلى قَول آخَرِين تَكون الآيَة مُحْكَمة غَير مَنْسُوخَة ويَكُون مَعْنَاهَا: أنَّ "الله عَزَّ وَجَلّ مُحَاسِب خَلْقَه على مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَل وعَلى مَا لَم يَعْمَلُوه مِمَّا أضْمَرُوه في أنْفُسِهِم ونَوَوه وأرَادُوه؛ فَيَغْفِره للمُؤمِنين، ويُؤاخِذ بِه أهْل الكُفْر والنِّفَاق".

وأَوْلى الأقْوال بِالصَّواب عند ابن جرير في هَذه الآيَة أنّها "مُحْكَمَة ولَيْسَت بِمَنْسُوخَة، وذلك أنَّ النَّسْخ لا يَكُون في حُكْم إلَّا يَنْفِيه بآخَر لَه نَافٍ مِنْ كُلّ وُجُوهِه ولَيس في قَوله جَلّ وَعَزّ: (لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ) [البقرة: ٢٨٤]؛ لأنَّ الْمُحَاسَبَة (١) لَيْسَت بِمُوجِبة عُقُوبَة الله، ولا مُؤاخَذة بِمَا حُوسِب عَليه العَبْد مِنْ ذُنُوبِه" (٢).

وفي تَفْسِير سُورَة النِّسَاء ذَكَر الْخِلاف في الذين عُنُوا بِقَولِه: (لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ)؛ فَقَال بَعْضُهم: عُنِي بِقَولِه: (لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ): أهْل الإسْلام.

والقَول الثَّاني: الْمَعْنِيّ بِه: أهْل الشِّرْك مِنْ عَبَدَة الأوْثَان.

والقَول الثَّالِث: الْمَعْنِيّ بِه: أهْل الكِتَاب خَاصَّة.

وذَكَر ابن جرير الْخِلاف في مَعْنَى قَولِه تَعالى: (مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ):


(١) يرد عليه ما جاء في حديث عائشة رضي الله عنها، حيث قالت: أو ليس يقول الله تعالى: (فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا) [الانشقاق: ٨]؟ قالت: فقال: إنّمَا ذَلِك العَرْض، ولكِن مَنْ نوقِش الْحِسَاب يَهْلك. رواه البخاري (ح ١٠٣)، ومسلم (ح ٢٨٧٦).
(٢) جامع البيان، مرجع سابق (٥/ ١٣٨ - ١٤٤) باختصار وتصرّف.

<<  <   >  >>