للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فَقَال بَعْضُهم: عُنِي بالسُّوء كُلّ مَعْصِيَة لله. وقَالُوا: مَعْنَى الآيَة: مَنْ يَرْتَكِب صَغِيرة أوْ كَبِيرَة مِنْ مُؤمِن أوْ كَافِر مِنْ مَعَاصِي الله يُجَازِه الله بِها.

وقال آخَرُون: مَعْنَى ذَلك: مَنْ يَعْمَل سُوءًا مِنْ أهْل الكُفْر يُجْزَ بِه.

وقال آخَرُون: مَعْنَى السُّوء في هَذا الْمَوْضِع: الشِّرْك. قالوا: وتأويل قوله: (مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ) مَنْ يُشْرِك بالله يُجْزَ بِشِرْكِه، ولا يَجِد لَه مِنْ دُون الله وَلِيًّا ولا نَصِيرًا.

وأوْلى التَّأوِيلات عند ابن جرير: التَّأويل الذي ذَكَرَه عن أُبَيّ بن كَعب وعائشة؛ وهو أنَّ كُلّ مَنْ عَمِل سُوءًا صَغِيرًا أوْ كَبِيرًا مِنْ مُؤمِن أوْ كَافِر جُوزِي بِه.

وعَلّل اخْتِيَارَه بِأنّه إجراء "لِعُموم الآيَة: كُلّ عَامِل سُوء مِنْ غَيْر أن يَخُص أوْ يَسْتَثْني مِنهم أحَد، فهي عَلى عُمُومِها إذْ لَم يَكُنْ في الآيَة دَلالة عَلى خُصُوصِها ولا قَامَت حُجَّة بِذَلك مِنْ خَبَرٍ عن الرَّسُول صلى الله عليه وسلم".

فإن قَال قَائل: وأيْن ذَلك مِنْ قَول الله: (إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ)؟ وكَيف يَجُوز أن يُجَازِي على مَا قَدْ وَعَد تَكْفِيرِه؟

قِيل: إنّه لَم يَعِد بِقَوله: (نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ)؟ تَرْك الْمُجَازَاة عَليها، وإنّما وَعَد التَّكْفِير بِتَرْكِ الفَضِيحَة مِنه لأهْلِها في مَعَادِهم، كَمَا فَضَحَ أهْل الشِّرك والنِّفَاق، فأمَّا إذا جَازَاهم في الدُّنْيا عَليها بِالْمَصَائب ليُكَفِّرَها عَنهم بِها لِيُوافُوه ولا ذَنْب لَهم يَسْتَحِقُّون الْمُجَازَاة عَليه فَإنَّمَا وَفَى لَهُمْ بِمَا وَعَدَهم بِقَولِه: (نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ)، وأنْجَزَ لَهُمْ مَا ضَمِنَ لَهُمْ بِقَولِه: (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ) [النساء: ١٢٢].

وبِنَحْو الذي قُلْنَا في ذَلك تَظَاهَرَت الأخْبَار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم (١) وفي تَفْسِير قَوله تَعالى: (إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ) أطَال في ذِكْر الكَبَائر وتَعْرِيفِها، ومَن قَال بِعَدَدِها، ثم قال: وأوْلَى مَا قِيل في تَأوِيل الكَبَائر بِالصِّحَّة مَا


(١) جامع البيان، مرجع سابق (٧/ ٥١٥ - ٥١٩) باختصار وتصرّف.

<<  <   >  >>