للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فهذا صَرِيح في نَسْخَ الْمُحَاسَبَة والْمُؤاخَذَة على مَا يُكتَم في الصّدُور - خِلافًا لابن جرير -، ولأنَّ مَا في الصُّدْر مِمَّا عُفِي عنه، لِقوله عليه الصلاة والسلام: إنَّ الله تَجَاوَزَ عَنْ أُمّتي مَا حَدَّثَتْ به أنْفُسَها مَا لَم تَعْمَل أوْ تَتَكَلَّم (١).

وأمَّا الاخْتِلاف في الكَبَائر "فاخْتَلَفَ السَّلَف فِيها اخْتلافًا لا يَرجِع إلى تباين وتَضاد وأقْوَالهم مُتَقَارِبَة" (٢).

وأمَّا قَوله تَعالى: (إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ) فاجْتِنَاب الكَبَائر مِنْ أسْبَاب تَكْفِير الصَّغَائر، إذْ الصَّغَائر تُكَفَّر وتَزُول عُقُوبَتُها بِنَحْو عَشَرَة أسْباب بالإضَافَة إلى الإتْيَان بِالفَرَائض.

قال ابن تيمية: دَلَّتْ نُصُوص الكِتَاب والسُّنَّة على أنَّ عُقُوبَة الذُّنُوب تَزُول عَنْ العَبْد بِنَحْو عَشَرَة أسْبَاب (٣).

وذَكَرَها ابن القيم ثم قَال: فَهَذِه عَشَرَة أسْبَاب تَمْحَق أثَر الذُّنُوب، فإنْ عَجِزَتْ هذه الأسْبَاب عَنها فَلا بُدّ مِنْ دُخُول النَّار ثُم يُخْرَجون مِنها (٤).

"وهَهنا أمْرٌ يَنْبَغِي التَّفَطُّن لَه، وهو أنَّ الكَبِيرَة قَدْ يَقْتَرِن بِهَا مِنْ الْحَيَاء والْخَوْف والاسْتِعْظَام لَهَا مَا يُلْحِقها بِالصَّغَائر، وقد يَقْتَرِن بِالصَّغِيرَة مِنْ قِلَّة الْحَيَاء وعَدم الْمَبَالاة وتَرْك الْخَوْف والاسْتِهَانَة بِهَا مَا يُلْحِقها بِالكَبَائر، بَلْ يَجْعَلها في أعْلى رُتَبِها، وهَذا أمْرٌ مَرْجِعُه إلى مَا يَقُوم بِالقَلْب، وهو قَدْر زَائد عَلى مُجَرَّد الفِعْل، والإنْسَان يَعْرِف ذَلك مِنْ نَفْسِه ومِن غَيرِه" (٥).


(١) رواه البخاري (ح ٤٩٦٨)، ومسلم (ح ١٢٧).
(٢) مدارج السالكين، ابن القيم، (١/ ٥٦١).
(٣) مجموع الفتاوى (٧/ ٤٨٧) وتراجع ثم، ونقلها ابن أبي العز في "شرح الطحاوية" (ص ٣٠٨ - ٣١٢).
(٤) إعلام الموقعين (٢/ ٣٠٤).
(٥) مدارج السالكين، مرجع سابق (١/ ٥٧٤).

<<  <   >  >>