للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بِنِيَّة وقَصْد، ولو كانت الكَبَائر تَقَع مُكَفَّرَة بالوُضُوء والصَّلاة وأدَاء بَقِيَّة أرْكَان الإسْلام لم يُحْتَج إلى التَّوبَة، وهذا بَاطِل بالإجْمَاع، وأيضًا فلو كُفِّرَت الكَبَائر بِفِعْل الفَرَائض لَم يَبْق لأحَدٍ ذَنْب يَدْخُل بِه النَّار إذا أتَى بِالفَرَائض، وهذا يُشْبِه قَوْل الْمُرْجِئة، وهو بَاطِل.

هَذا مَا ذَكَره ابن عبد البر في كِتَابه "التمهيد"، وحكى إجْمَاع الْمُسْلِمِين على ذلك (١).

ولابن القيم تَفْصِيل في هَذه الْمَسْأَلَة، حَيث ذَكَر أنَّ "الأعْمَال الْمُكَفَّرَة لها ثَلاث دَرَجَات:

أحَدها: أن تَقْصُر عن تَكْفِير الصَّغَائر لِضَعْفِها، وضَعْف الإخْلاص فِيها، والقِيَام بِحُقُوقِها، بِمَنْزِلة الدَّوَاء للضَّعِيف الذي يَنْقُص عن مُقَاوَمة الدَّاء كَمِّيَّة وكَيْفِيَّة.

الثَّانية: أن تُقَاوِم الصَّغَائر ولا تَرْتَقِي إلى تَكْفِير شَيء مِنْ الكَبَائر.

الثَّالثة: أن تَقْوَى على تَكْفِير الصَّغَائر وتَبْقَى فيها قُوَّة تُكَفِّر بِها بَعض الكَبَائر.

فَتَأمَّل هَذا فَإنه يُزِيل عَنك إشْكَالاتٍ كَثِيرَة" (٢).

وأمَّا قَوله تَعالى: (مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ وَلَا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا) فَهو على سَبِيل الوَعْد والْجَزَاء، وهو كَقَوله تَعالى: (وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى (٣١) الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَإِذْ أَنْتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ فَلَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى) [النجم: ٣١ - ٣٢].

وكَذلك قَوله تَعالى: (وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ) [الشورى: ٣٠] ونَظير هَذه الآيَة في الْمَعْنَى قَوله تَعالى: (مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ).


(١) جامع العلوم والحكم، مرجع سابق (١/ ١٦٩).
(٢) الجواب الكافي، "الداء والدواء" (ص ٨٧).

<<  <   >  >>