للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

٧ - العِناية بآيَات الأحْكَام عِنَاية بالِغة، إذ هي الْمَقْصِد الأوَّل مِنْ التألِيف، وهو يَسُوق في الْمَبْحَث الواحِد مِنْ الآيَة - أحيانًا - أكثر مِنْ خمسين مَسْألَة (١).

٨ - قِلَّة الإسْرَائِيلِيَّات في تفسيره مُقارَنَة بِتفاسِير الْمُتأخِّرين. فقد صَان القرطبي "كِتابَه عن الإكْثَار مِنْ ذِكْر الإسْرَائِيلِيَّات، والأحَادِيث الْمَوْضُوعَة، كَمَا أنه إذا ذَكَرَ بعض الإسْرَائِيلِيَّات والْمَوضُوعَات مِمَّا يُخِلّ بِعِصْمَة الْمَلائكَة أو الأنبِياء، أو يُخِلّ بالاعْتِقَاد؛ فإنه يَكُرّ عليها بالإبْطَال، أو يُبيِّن أنها ضَعِيفَة .... غير أنه وُجِد فيه بعض الإسْرَائِيلِيَّات والْمَوْضُوعَات، على قِلَّة … وقد تَنَوَّعت أساليب القرطبي في إبطال الإسْرَائِيلِيَّات، فَتَارَة يَذْكُرُها بإسْنَادِها كَامِلًا، ثم يُطيل في نَقْدِها، والرَّدّ عليها، مُسْتَعِينًا بأقْوَال الْمُفَسِّرِين والعُلَمَاء الذين ذَكَرُوها، وتَارَة يَخْتَصِرُها بِتَجْرِيدِها مِنْ أسَانِيدِها، ويَكْتَفِي بِرَدِّهَا وإبطَالِها والإشَارَة إليها" (٢).

وقد "أسْقَط مِنه القَصَص والتَّوَارِيخ وأثْبَت عِوَضَها أحْكَام القرآن واسْتِنْبَاط الأدِلَّة، وذَكَر القِرَاءات والإعْرَاب، والنَّاسِخ والْمَنْسُوخ" (٣).

وهذا ما نَصّ عليه القرطبي في مُقَدِّمَة تفسيره، إذ يَقُول: وأضْرِب عن كَثِير مِنْ قَصَص الْمُفَسِّرِين، وأخْبَار الْمُؤَرِّخِين إلَّا مَا لا بُدّ مِنه ولا غِنَى عنه للتَّبْيِين، واعْتَضْتُ مِنْ ذلك تَبْيِين آي الأحْكَام بِمَسَائل تُسْفِر عن مَعْنَاها، وتُرْشِد الطَالِب إلى مُقْتَضَاهَا (٤).

أمَّا لِمَاذا أعْرَضَ عنها؟

فلأنَّ "الإسْرَائيلِيَّات مَرْفُوضَة عند العُلَمَاء على البَتَات؛ فأعْرِض عن سُطُورِها بَصَرَك، وأصْمِم عن سَمَاعِها أُذُنَيْك، فإنَّها لا تُعْطِي فِكْرَك إلَّا خَيَالا، ولا تَزِيد فُؤادَك إلَّا خَبَالا" (٥).


(١) انظر على سبيل المثال (٣/ ٣٥٨ - ٣٨٦) فقد ذَكَر في آية الدَّين في البقرة اثنتان وخمسين مسألة.
(٢) الإسرائيليات والموضوعات في كُتُب التفسير، محمد أبو شهبة (ص ١٣٧).
(٣) الدِّيباج المذَهَّب، مرجع سابق (ص ٣١٧).
(٤) مُقَدِّمَة الْجَامِع لأحكام القرآن، مرجع سابق (١/ ٢٩).
(٥) نَقَله القرطبي عن ابن العربي. الجامع لأحكام القرآن، مرجع سابق (١٥/ ١٨٦).

<<  <   >  >>