للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والْمَقْصُود بِالْمَرْفُوض على البَتَات مَا تَعلَّق بِعِصْمَة الأنبياء والقَدْح فيهم؛ لأنه سَاق هذا القَوْل في قِصَّة أيوب عليه الصلاة والسلام، إلَّا أنَّ القرطبي لَم يَلْتَزَم بذلك، ولَم يُعْرِض عن سُطُورِها، بَلْ أَوْرَد في قِصَّة سُليمان عليه الصلاة والسلام ما كَان الواجِب الإعْرَاض عنه (١).

كَيْف وهو القَائل: "وفي الإسْرَائيلِيَّات كَثِير لَيس لَها ثَبَات، فلا يُعَوِّل عَليها مَنْ لَه قَلْب" (٢).

ومِمَّا تَمَيَّز به تَفْسِير القرطبي:

٩ - عدم تَعَصُّب القرطبي لِمَذْهَبِه، فهو وَاسِع الأُفُق، لا يَضِيق بِالْمُخالِف ذَرْعًا! فهو يُورِد الأقْوَال ويُرجِّح مَا يَرَاه أقْرَب على الدَّلِيل وأقْوَى في التَّعْلِيل دُون النَّظر إلى الْمَذْهَب.

بل إنه يَتعقَّب ابن العربي في مَوَاضِع مِنْ تَفْسِيرِه، خاصَّة فيما يُشَنِّع فيه ابن العربي على مُخَالِفيه.

ومِثَاله:

ما شَنَّع بِه ابن العربي على مُخَالِفِيه في مَسْألة فَرْعِيَّة، حيث قال: فَأمَّا إذا تَضَمَّن الْخَبَر حُكْمًا شَرْعِيًّا فَالأحْكَام تَتَبَدَّل وتُنْسَخ، جَاءَت بِخَبَر أوْ أمْر، ولا يَرْجِع النَّسْخ إلى نَفْس اللفْظ، وإنَّما يَرْجِع إلى مَا تَضَمَّنَه، فإذا فَهِمْتُم هَذا خَرَجْتُم عن الصِّنْف الغَبِيّ الذي أخْبَر الله عن الكُفَّار فِيه بِقَولِه: (وَإِذَا بَدَّلْنَا آيَةً مَكَانَ آيَةٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ قَالُوا إِنَّمَا أَنْتَ مُفْتَرٍ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ) [النحل: ١٠١]. الْمَعْنَى: أنَّهم جَهِلُوا أنَّ الرَّبّ يَأمُر بِمَا يَشَاء، ويُكَلِّف مَا يَشَاء، ويَرْفَع مِنْ ذَلك بِعَدْلِه مَا يَشَاء، ويُثْبِت مَا يَشَاء، وعِندَه أمّ الكِتَاب.

فَتَعَقَّبَه القرطبي بِقَولِه: قلتُ: هذا تَشْنِيع شَنِيع! حتى يُلْحَق فِيه العُلَمَاء الأخْيَار في قُصُور الفَهْم بِالكُفَّار، والْمَسْألَة أصُولِيَّة، وهي أنَّ الإخْبَار عن الأحْكَام الشَّرْعيَّة هل


(١) انظر: الجامع لأحكام القرآن، مرجع سابق (١٥/ ١٧٦ - ١٧٨) وتعَقَّبه بِتَضْعِيف ضَعيف.
(٢) المرجع السابق (٧/ ٢٩٦).

<<  <   >  >>