للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ثم قال ابن جرير: وقد أبَانَتْ هَذه الآيَة أنَّ كُلّ صَاحِب كَبِيرَة فَفِي مَشِيئَة الله، إنْ شَاء عَفَا عنه، وإن شَاء عاقَبه عَليه مَا لَم تَكن كَبيرته شِرْكًا بِالله (١).

وفي آية "الفرقان" قال: وقد ذُكِرَ أنَّ هَذه الآيَة نَزَلَتْ على رسول الله صلى الله عليه وسلم مِنْ أجْلِ قَوْم مِنْ الْمُشْرِكِين أرَادُوا الدُّخُول في الإسْلام، مِمَّنْ كَان مِنه في شِرْكِه هَذه الذُّنُوب، فَخَافُوا ألا يَنْفَعهم مَع مَا سَلَف مِنهم من ذلك إسلام، فاسْتَفْتَوا رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك، فأنْزَل الله تبارك وتعالى هذه الآية، يُعْلِمُهم أن الله قابِل توبةَ مَنْ تابَ منهم.

ثم روى ما جاء عن ابن عباس رضي الله عنهما في أنّها نَزَلَتْ في قَوْم مِنْ الْمُشْرِكِين قَتَلُوا فأكْثَرُوا (٢).

ونَقَل ابن جرير عن آخَرِين قَولَهم: هَذه الآيَة مَنْسُوخَة بالتي في "النِّسَاء".

ثم رَوى ذلك عن زيد بن ثابت وابن عباس.

ورَوى بإسْنَاده إلى القَاسم بن أبي بَزَّة أنه سَأل سعيد بن جبير: هَلْ لِمَنْ قَتَل مُؤمِنًا مُتَعَمِّدًا تَوبَة؟ فَقال: لا. فَقَرأ عليه هذه الآية كُلّها. فقال سعيد بن جبير: قَرأتُها على ابن عباس كَمَا قَرأتها عَليّ، فَقال: هذه مَكية نَسَخَتها آية مَدنية التي في سورة النِّسَاء (٣).

وقال في قَوله تعالى: (وَمَنْ تَابَ) [الفرقان: ٧١]: يَقول: ومَن تَاب مِنْ الْمُشْرِكِين فآمَن بِالله ورَسُوله. (وَعَمِلَ صَالِحًا) يَقُول: وعَمِل بِمَا أمَرَه الله فأطَاعَه، فإنَّ الله فَاعِلٌ بِه مِنْ إبْدَالِه سَيئ أعْمَاله في الشِّرْك بِحَسَنِها في الإسْلام، مثلَ الذي فَعَل مِنْ ذَلك بِمَنْ تَاب وآمَن وعَمِل صَالحًا قَبْل نُزُول هَذه الآيَة مِنْ أصْحَاب رسول الله صلى الله عليه وسلم (٤).


(١) جامع البيان، مرجع سابق (٧/ ١٢٢، ١٢٣) باختصار.
(٢) حديث ابن عباس مُخرّج في الصحيحين، وسبق تخريجه.
(٣) انظر: جامع البيان، مرجع سابق (١٧/ ٥٠٥ - ٤١٢) والأثر مخرج في الصحيحين: رواه البخاري (ح ٤٤٨٤)، ومسلم (ح ٣٠٢٣)، ويُنظر لذلك: جامع البيان (٧/ ٣٤٠ وما بعدها).
(٤) جامع البيان، مرجع سابق (١٧٥١٦ - ٥٢١).

<<  <   >  >>