للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ونَقَل الْخِلاف في الذين عُنُوا بِآيَة "الزُّمَر"، فَقَال: قَال بَعْضُهم: عُنِي بِها قَوْم مِنْ أهْل الشِّرْك، قَالُوا لَمَّا دُعُوا إلى الإيمان بالله: كَيف نُؤمِن وقَد أشْرَكنا وزَنَينا وقَتَلْنا النفس التي حَرّم الله، والله يَعِدُ فاعِل ذلك النار، فما ينفعنا مع ما قد سَلَف مِنّا الإيمان؟ فَنَزَلت هذه الآية.

ونَقَل عن آخَرِين قَوْلَهم: عُنِي بذلك أهْل الإسْلام .... وقَالُوا: إنما نَزَلَتْ هَذه الآيَة في قَوْم صَدَّهم الْمُشْرِكُون عَنْ الْهِجْرَة وفَتَنُوهُم، فأشْفَقُوا ألا يَكُون لَهم تَوبَة.

وعن آخَرين قَولَهم: نَزَلَ ذلك في قَوْم كَانوا يَرَون أهْل الكَبَائر مِنْ أهْل النَّار، فأعْلَمَهم الله بِذلك أنّه يَغْفِر الذُّنُوب جَمِيعًا لِمَنْ يَشَاء.

وأوْلَى الأقْوَال بِالصَّوَاب عند ابن جرير قَول مَنْ قَال: عَنى تَعالى ذِكره بذلك جَمِيع مَنْ أسْرَف على نَفْسِه مِنْ أهْل الإيمان والشِّرْك؛ لأنَّ الله عَمّ بِقَوله: (يَاعِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ) جَمِيع الْمُسْرِفِين، فلم يَخْصُص بِه مُسْرِفًا دُون مُسْرِف.

ثم أورَد ابن جرير هذا السؤال: فإن قَال قَائل: فَيَغْفِر الله الشِّرْك؟

فأجاب بـ: نَعم، إذا تَاب مِنه الْمُشْرِك.

وإنما عُنِي بِقَوله: (إن الله يَغفر الذنوب جميعًا لمن يشاء) كَمَا قد ذَكَرْنا قَبل أن ابن مسعود كان يَقْرَؤه، وأنَّ الله قَدْ اسْتَثْنَى مِنه الشِّرْك إذا لَم يَتُب مِنه صَاحِبُه، فَقَال: (إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ)، فأخْبَر أنه لا يَغْفِر الشِّرْك إلَّا بَعْد تَوبة بِقَولِه: (إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلِ عَمَلًا صَالِحًا)، فأمَّا مَا عَداه فإنَّ صَاحِبَه في مَشِيئَة رَبِّه؛ إن شَاء تفَضَّل عليه، فَعَفَا لَه عنه (١)، وإن شَاء عَدَل عَليه (٢) فَجَازَاه به (٣).


(١) أي: عفا له عن ذنبه.
(٢) أي: عامله بعدله.
(٣) جامع البيان، مرجع سابق (٢٠/ ٢٢٤ - ٢٣٠) باختصار وتصرّف.

<<  <   >  >>