للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقَول مجاهد: (يَاعِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ) بِقَتْلِ الأنْفُس في الْجَاهِلِيَّة (١).

وأوْرَد السمعاني قَول ابن عمر بَعد قَوله: قِيل: هَذه أرْجَى آيَة في القُرْآن. قال ابن عمر: كُنا نُطْلِق القَول فِيمَن ارْتَكَب الكَبَائر بِالْخُلُود في النَّار حَتى نَزَلَتْ هَذه الآيَة فَتَوقَّفْنَا.

ثم أوْرَد سُؤالًا فيه: فإن قَال قَائل: قَدْ قَال الله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ)، وقال في مَوْضِع آخَر: (إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا)، فَكَيف وَجْه الْجَمْع؟

قيل: أرَادَ بِه: يَغْفِر الذُّنُوب جَمِيعًا سِوى الشِّرْك (٢).

وأوْرَد السمعاني قَول ابن عباس رضي الله عَنهما في قَوله تَعالى: (وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا) [النساء: ٩٣]، وأنّ الآيَة مَدَنِيَّة لَم يَنْسَخْها شَيء، ثم قَال: والأصَحّ والذي عليه الأكْثَرُون - وهُو مَذْهَب أهْل السُّنَّة - أنَّ لِقَاتِل الْمُؤمِن عَمْدًا تَوْبَة، والدَّلِيل عَليه قَولَه تَعَالى: (وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ) [طه: ٨٢] وقَوله: (وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ)؛ ولأنَّ القَتْل العَمْد لَيْس بِأشَدّ مِنْ الكُفْر، ومِن الْكُفْر تَوْبَة، فَمِنْ القَتْل أوْلى. وأمَّا الذي رُوي عن ابن عباس فَعلى سَبِيل التَّشْدِيد والْمُبَالَغَة في الزَّجْر عن القَتْل (٣)، وهو مِثْل مَا رُوي عن سُفيان بن عُيينة أنّه قال: إن لم يَقْتُل يُقَال له: لا تَوْبة لَك مَنْعًا له عَنْ القَتْل، وإن قَتَل يُقَال له: لكَ تَوْبَة حَتى يَتُوب. ورُوي أنَّ رَجُلًا جَاء إلى ابن عباس وسَأله هَلْ لِقَاتِل الْمُؤمِن تَوْبَة؟ قال: لا. فَجَاءَه آخَر وسَألَه عن ذَلك، فَقَال: نَعم له تَوْبَة. فَقِيل له في ذلك، فَقَال: إنَّ الأوَّل لم يَكُنْ قَتَل، فَمَنَعْتُه عَنْ القَتْل، وإنَّ الثَّاني قَتَل، فأرْشَدْتُه إلى التَّوْبَة.


(١) بحر العلوم، مرجع سابق (٣/ ١٨٢).
(٢) تفسير القرآن، مرجع سابق (١/ ٤٣٤) باختصار يسير.
(٣) وسيأتي عن ابن عباس قوله لقاتل النفس، وأنه يرى أن له توبة.

<<  <   >  >>