للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وأَوْلى التَّأوِيلَين - عند ابن جرير - مَا دَلّ عليه ظَاهِر الآيَة، وهو: قَول مَنْ قَال: كَانت خِيانَته التي وَصَفه الله بِها في هَذه الآيَة جُحُوده مَا أُودِع؛ لأنَّ ذلك هو الْمَعْرُوف مِنْ مَعَاني الْخِيَانَات في كَلام العَرب، وتَوْجِيه تَأويل القُرْآن إلى الأشْهَر مِنْ مَعَاني كَلام العَرْب مَا وُجِد إليه سَبِيل أوْلى مِنْ غَيره (١).

وأمَّا في قَوله تَعالى: (وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا) فَقال ابن جرير: يَعْنِي بِذَلك جَلّ ثناؤه: ومَن يَعمل ذَنْبا - وهو السُّوء - أوْ يَظْلِم نَفْسَه بإكْسَابه إيّاها مَا يَسْتَحِقّ بِه عُقُوبة الله. (ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ) يَقُول: ثم يَتُوب إلى الله بِإنَابَتِه مِمَّا عَمِل مِنْ السُّوء وظَلَم نَفْسَه، ومُرَاجَعَتِه مَا يُحِبّه الله مِنْ الأعْمَال الصَّالِحَة التي تَمْحُو ذَنْبه وتُذْهِب جُرْمَه. (يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا) يقول: يَجِد ربه سَاتِرًا عليه ذَنبه بِصَفْحِه له عن عُقُوبَته جُرْمه، رَحِيمًا بِه.

ثم حَكَى الْخِلاف في الْمَعْنِيّ بالآيَة على قَولين:

الأوَّل: عُنِي بِهَا الذين وَصَفَهم الله بالْخِيَانَة بِقَولِه: (وَلَا تُجَادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنْفُسَهُمْ) [النساء: ١٠٧].

الثاني: عُنِي بِهَا الذين يُجَادِلُون عن الْخَائِنين، الذين قال الله لهم: (هَاأَنْتُمْ هَؤُلَاءِ جَادَلْتُمْ عَنْهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا) [النساء: ١٠٩].

والصَّواب مِنْ القَول في ذلك عند ابن جرير أنه عُنِي بِهَا كُلّ مَنْ عَمِل سُوءًا أو ظَلَم نَفْسَه، وإنْ كَانت نَزَلَتْ في أمْرِ الخائِنين والْمُجَادِلِين عَنهم، الذين ذَكَرَ الله أمْرَهَم في الآيَات قَبْلَها (٢).


(١) جامع البيان، مرجع سابق (٧/ ٤٦٦ - ٤٧٠) باختصار. وهذا في تفسير الآيات قبل آية النساء المقصودة، وإنما أوردته لتعلقه بها.
(٢) المرجع السابق (٧/ ٤٧٤، ٤٧٥) باختصار.

<<  <   >  >>