للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وبيَّن ابن جرير أنَّ الْخِطَاب في آيَة التَّوبة للنبي صلى الله عليه وسلم، حيث قال: يَقُول تَعالى ذِكْرُه لِنَبِيِّه محمد صلى الله عليه وسلم: ادْعُ الله لِهَؤلاء الْمُنَافِقِين الذين وَصَفَ صِفَاتِهم في هذه الآيَات بِالْمَغْفِرَة، أوْ لا تَدْعُ لَهُمْ بِهَا (١).

وهذا كلام خَرَج مَخْرَج الأمْر، وتَأوِيله الْخَبَر، ومَعْنَاه: إنْ اسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ يا محمد أوْ لم تَسْتَغْفِر لَهم فَلَنْ يَغْفِر الله لَهُمْ.

وقَوله: (إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ) يقول: إن تَسْأل لَهُمْ أن تُسْتَر عليهم ذُنُوبهم بِالعَفْو مِنه لَهم عَنها، وتَرْك فَضِيحَتهم بِهَا، فلن يَسْتُر الله عَليهم، ولن يَعْفُو لَهُمْ عَنها، ولكنه يَفْضَحهم بِها على رُؤوس الأشْهَاد يَوم القِيَامَة.

ويُرْوى (٢) عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه حين نَزَلَتْ هذه الآية قال: لأزِيدَنّ في الاسْتِغْفَار لهم على سَبْعِين مَرَّة رَجَاءً مِنه أن يَغْفِر الله لَهم، فَنَزَلَتْ: (سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ) [المنافقون: ٦] (٣).

وذَكَر السمرقندي الْمَقْصُود بِالْمُجَادَل عَنه في الآيَات قَبْلَ آية "النِّسَاء"، ثم ذَكَر قَول الضحاك في قَوله تَعالى: (وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ): إنّهَا نَزَلتْ في شَأن وَحشي، وقَول الكلبي: نَزَلَتْ في شَأن طُعْمَة.


(١) أي: بالمغفرة.
(٢) التعبير بهذه الصيغة سبق أنه غير مرضي عند أهل الحديث.
والحديث الذي ذكره: رواه البخاري (ح ٤٣٩٣)، ومسلم (ح ٢٤٠٠) بنحوه دون ذكر سبب نزول آية "المنافقون".
قال ابن المنير (حاشية الكشاف ص ٤٤٣): وقد أنكر القاضي حديث الاستغفار، ولم يصححه، وتغالى قوم في قبوله حتى إنهم اتخذوه عمدة في مفهوم المخالفة. ونقل القرطبي (٨/ ٢٠٠) عن القشيري قوله: ولم يثبت ما يروى أنه قال: "لأزيدن على السبعين". ثم تعقبه بقوله: وهذا خلاف ما ثبت في حديث ابن عمر.
(٣) جامع البيان، مرجع سابق (١١/ ٥٩٨، ٥٩٩).

<<  <   >  >>