للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقال البَعليّ: التَّعَارُض: مَصْدَر تَعَارَض الشَّيئان إذا تَقَابَلا، تَقُول: عَارَضْته بِمِثْل مَا صَنع، أي: أتَيْتُ بِمِثْل مَا أَتَى، فَتَعَارُض البيِّنَتَين أن تَشْهَد إحْدَاهُما بِنَفْي مَا أثْبَتَتْه الأُخْرَى، أوْ بِإِثْبَات مَا نَفَتْه (١).

وفي الاصْطِلَاح اخْتُلِف في تَعْرِيفِه بِحَسَب أغْرَاض دَارِسِيه، والذي يَهُمّ البَاحِث هو تَعْرِيف الْمَعْتَنِين بالدِّرَاسات القُرآنية.

قال الزركشي في أنْوَاع عُلُوم القُرْآن: النَّوْع الْخَامِس والثَّلاثُون: مَعْرِفَة مُوهِم الْمُخْتَلِف: وهو مَا يُوهِم التَّعَارُض بَيْن آيَاتِه، وكَلام الله جل جلاله مُنَزَّه عن الاخْتِلاف، كَمَا قَال تَعالى: (وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا) [النساء: ٨٢] (٢).

وحَقِيقَته مَا "قَدْ يَقَع للمُبْتَدِئ مَا يُوهِم اخْتِلافًا ولَيس بِه، فاحْتِيج لإزَالَتِه" (٣).

"وقد تَكَلَّم فيه الصَّدْر الأوَّل، ابن عباس وغيره" (٤) وأزَال ما أشْكَل على السائل (٥).

ويُقْصَد بِالتَّعَارُض الذِّهْنِي الذي قد يَبْدُو للقَارِئ عند مُحَاوَلَة الْجَمْع بَيْن آيَتَين. إذ لَيس في القُرْآن تَعَارُض، ولا هو مِنْ قَبِيل الْمُتَشَابِه، وإنَّمَا هو مِمَّا تَتَوَهَّمُه العُقُول.

قال الأسْتاذ أبو إسحاق الإسفراييني: إذا تَعَارَضَتْ الآي وتَعَذَّر فِيها التَّرْتِيب والْجَمْع طُلِب التَّارِيخ وتُرِك الْمُتَقَدِّم مِنْهُما بِالْمُتَأخِّر، ويَكُون ذَلك نَسْخًا لَه، وإن لَم يُوجَد التَّارِيخ وكان الإجْمَاع على اسْتِعْمَال إحْدَى الآيَتَين عُلِم بِإجْمَاعِهم أنَّ النَّاسِخ مَا أجْمَعُوا على العَمَل بِها.

قال: ولا يُوجَد في القُرْآن آيَتَان مُتَعَارِضَتَان تَعْرَيَان عن هَذَين الوَصْفَيْن (٦).


(١) المطلع على أبواب المقنع (ص ٤٠٥).
(٢) البرهان في علوم القرآن، مرجع سابق (٢/ ٤٥).
(٣) المرجع السابق (٢/ ٤٥). وقول الزركشي هذا نَقَله السيوطي في "الإتقان" (ص ٣٦١ تهذيبه).
(٤) البرهان في علوم القرآن، مرجع سابق (٢/ ٤٥).
(٥) وستأتي أمثلة ذلك في الفصل الأول من هذا البَحْث.
(٦) البرهان في علوم القرآن، مرجع سابق (٢/ ٤٨).

<<  <   >  >>