للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قال الشاطبي: الْمُتَشَابِهَات ليست مِمَّا تُعَارِض مُقْتَضَيَات العُقُول، وإن تَوَهَّم بَعْض النَّاس فِيها ذلك، لأنَّ مَنْ تَوَهَّم فِيها ذلك فَبِنَاء على اتِّبَاع هَوَاه، كَمَا نَصَّت عَليه الآيَة قوله تعالى: (فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ) [آل عمران: ٧] لا أنه بِنَاء على أمْرٍ صَحِيح، فإنه إن كَان كَذلك فالتَّأوِيل فيه رَاجِع إلى مَعْقُول مُوَافِق لا إلى مُخَالِف (١).

وقال ابن تيمية: عَامَّة مَوَارد التَّعَارُض هي من الأمُور الْخَفيَّة الْمُشْتَبهة التي يَحَار فيها كثير مِنْ العُقلاء، كَمَسَائل أسْمَاء الله وصِفاته وأفْعاله، ومَا بَعد الْمَوْت مِنْ الثَّوَاب والعِقاب، والجنة والنار، والعَرْش والكُرْسي، وعَامَّة ذلك مِنْ أنْبَاء الغَيب التي تَقْصُر عُقول أكثر العُقلاء عن تَحقيق مَعرفتها بِمُجَرَّد رَأيهم، ولهذا كان عامَّة الْخَائضِين فيها بِمُجَرَّد رَأيهم إمَّا مُتَنَازِعين مُخْتَلِفين، وإمَّا حَيَارَى مُتَهَوِّكِين (٢).

ولإيهَام الاخْتِلاف والتَّعَارُض أسْبَاب (٣)، ولَهُم مُرجِّحَات عند التَّعَارُض (٤).

ويَتَطَرَّق هَذا البَحْث إلى مَا يُسَمِّيه العُلَمَاء "مُشْكِل القُرْآن"، أوْ "مُوهِم الاخْتِلاف والتَّنَاقُض".

وهذا مَبْحَث نَفِيس، وفَنّ لَطِيف يَحْتَاج إليه طَالِب العِلْم في حَيَاته العِلْمِيَّة الشَّامِلَة بَاب "التَّعَارُض والتَّرْجِيح"، وهو بَاب يُفِيد في الْحَيَاة العِلْمِيَّة والعَمَلِيَّة" (٥).

و "تَعَارُض دَلالات الأقْوَال وتَرْجِيح بَعْضِها على بَعض بَحْرٌ خِضَم" (٦).


(١) الموافقات، الشاطبي (٣/ ٣١).
(٢) درء تعارض العقل والنقل، مرجع سابق (١/ ١٥١).
(٣) انظر: البرهان في علوم القرآن، مرجع سابق (٢/ ٥٤ وما بعدها)، و"الموافقات" مرجع سابق (٤/ ٢٩٩ وما بعدها)، و "مُعْتَرَك الأقران"، السيوطي (١/ ١٠٠ وما بعدها) فقد نَقل ما قَرَّره الزركشي في "البرهان".
(٤) انظر: البرهان في علوم القرآن، مرجع سابق (٢/ ٤٨).
(٥) ضوابط الترجيح عند وقوع التعارض، بِنْيُوس الولي (ص ٩).
(٦) رفع الملام عن الأئمة الأعلام، ابن تيمية (ص ٣٩).

<<  <   >  >>