للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ومَعنى قَوله تَعالى: (أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ) أي: أيَطْلُبُون عِنْدَهم الْمَنَعَة والقُوَّة باتِّخَاذِهم إياهم أوْلِيَاء مِنْ دُون أهْل الإيمان بي؟

وقَال في قَوله تَعالى: (فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا): يَقُول: فإنَّ الذين اتَّخَذُوهم مِنْ الكَافِرين أوْلِياء ابْتِغَاء العِزَّة عِنْدَهم هُمْ الأذِلّاء الأقِلّاء، فَهَلّا اتَّخَذُوا الأوْلِياء مِنْ الْمُؤمِنِين فَيَلْتَمِسُوا العِزَّة والْمَنَعَة والنُّصْرَة مِنْ عِند الله الذي له العِزَّة والْمَنَعَة، الذي يُعِزّ مَنْ يَشاء ويُذِلّ مَنْ يَشاء، فيُعِزّهم ويَمْنَعهم. وأصْل العِزَّة الشِّدّة، ومنه قيل للأرض الصلبة الشديدة: عَزَاز. وقيل: قد اسْتُعِزّ على المريض، إذا اشْتَدّ مرضه وكاد يُشْفِي (١).

ويُقال: تَعَزّز اللحم، إذا اشْتَدّ. ومنه قيل: عَزّ عَليّ أن يكون كذا وكذا، بِمَعْنى اشْتَدّ عَليّ (٢).

وقال في آية "يونس" فـ (إِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا) يَقول تعالى ذِكْرُه: فإنَّ الله هو الْمُنْفَرِد بِعِزَّة الدّنيا والآخِرة لا شَريك له فِيها، وهو الْمُنْتَقِم مِنْ هَؤلاء الْمُشْرِكِين القَائلين فيه مِنْ القَول البَاطِل ما يَقُولُون، فلا يَنْصُرهم عند انْتِقَامه مِنهم أحَدٌ؛ لأنه لا يُعَازُّه شيء (٣).

وذَكَر اخْتِلاف أهْل التَّأويل في مَعنى قَوله: (مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا)، فَنَقَل عن بعضهم: معنى ذلك: مَنْ كَان يُريد العِزَّة بِعِبَادَة الآلِهة والأوْثان فإنَّ العِزَّة لله جميعا.

وعَن آخَرين: مَعنى ذلك: مَنْ كَان يُرِيد العِزَّة فَلْيَتَعَزّز بِطَاعَة الله.

وعن آخَرِين: بل معنى ذلك: مِنْ كان يُريد عِلْم العِزَّة لِمَنْ هِي، فإنّها لله جَميعا كُلّها، أي: كُل وَجْه مِنْ العِزَّة فَلِلَّه.


(١) ضُبِطَت في طبعة دار هجر: يُشْفَى.
ويَظهر لي من سياق الكلام أنه "يُشفي" بمعنى كاد أن يموت. ففي لسان العرب (٧/ ٤٥٨): وكنظه يكنظه وهو الكرب الشديد الذي يُشفي منه على الموت. وفي مختار الصحاح (ص ١٤٤) (مادة شَفي): يُقال للرجل عند موته .... وأشْفَى على الشيء أشْرَف عليه، وأشفى المريض على الموت.
(٢) انظر: جامع البيان، مرجع سابق (٧/ ٦٠١، ٦٠٢).
(٣) المرجع السابق (١٢/ ٢٢٦).

<<  <   >  >>