للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وأوْلى الأقْوال بِالصَّواب عند ابن جرير: قَول مَنْ قَال: مَنْ كَان يُرِيد العِزَّة فَبِالله فَلْيَتَعَزَّز، فَلِلَّه العِزَّة جَميعا، دُون كُلّ مَا دُونه مِنْ الآلِهَة والأوْثَان.

وعَلّل اخْتِيَارَه بِقَوله: وإنّمَا قُلتُ ذلك أوْلى بِالصَّواب لأنَّ الآيَات التي قَبل هَذه الآيَة جَرَتْ بِتَقْرِيع الله الْمُشْرِكِين عَلى عِبَادَتِهم الأوْثَان، وتَوْبِيخِه إيّاهُم، ووعِيدِه لهم عليها؛ فأوْلى بِهَذِه أيضًا أن تَكُون مِنْ جِنْس الْحَثّ على فِرَاق ذلك، فَكَانَت قِصّتها شَبِيهة بِقِصّتِها، وكانت في سِيَاقِها (١).

فَعَلى هذا آية "النساء" - عند ابن جرير - في شَأن الْمُنَافِقِين، وآيَة "يونس" وآيَة "فاطِر" في الْمُشْرِكِين، وهو مَا يَقْتَضِيه سِيَاق الآيَات.

وقد بَيَّن في آيَة "المنافِقون" أنَّ قَوله تَعالى: (وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ) يَعني: الشِّدَّة والقُوَّة، (وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ) بِالله، (وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ) ذلك (٢).

وأشَار السمرقندي في تَفسير آيَة "النساء" إلى مَعْنى آخَر في قَوله تَعالى: (أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمْ الْعِزَّةَ)، وهو أنَّ الْمُنَافِقِين يَطْلُبُون عِند الكَافِرِين الْمَنَعة والظَّفَر على محمد صلى الله عليه وسلم وعلى أصْحَابِه.

ثم بيّن السمرقندي أنَّ العِزَّة في اللغَة الْمَنَعَة والغَلَبَة، كَمَا يُقَال: مَنْ عَزّ بَزّ، أي: مَنْ غَلَب سَلَب. ويُقال: عَزّ الشَّيء إذا اشْتَدّ وُجُوده.

وقال: ثم ذَكَر سُبحانه أنه لا نُصْرَة لهم مِنْ الكُفَّار، وإنّمَا النُّصْرَة مِنْ الله تعالى فَقال، فإنَّ العِزَّة لله (فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا)، يَعني الظَّفَر والنَّصْر كُلّه مِنْ الله تعالى، وهذا كَمَا قَال في آيَة أخْرَى: (وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ) (٣).


(١) جامع البيان، مرجع سابق (١٩، ٣٣٧، ٣٣٨) باختصار وتصرّف.
(٢) انظر: المرجع السابق (٢٢/ ٦٦١).
(٣) بحر العلوم، مرجع سابق (١/ ٣٧٣، ٣٧٤) باختصار.

<<  <   >  >>