للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وأبَان الثعلبي أنَّ قَوله تَعالى: (الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ) وَصْف للمُنَافِقِين، ومَعْنَاه: يتّخِذونهم أنْصَارًا وبِطَانة.

وأنَّ مَعْنَى قَوله تعالى: (أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ) يَعني الرِّفْد والشِّدَّة والْمَعُونَة والظُّهُور على مُحمد وأصْحَابه.

ونَقَل عن الزجاج قَوله: العِزَّة: يَعْنِي الْمَنَعَة والشِّدَّة والغَلَبَة، مأخُوذ مِنْ قَوْلِهم: أرْض عَزَاز، أي: صَلْبَة لا يُفِيد عَليها شيء.

ويقال: اسْتُعِزّ على الْمَرِيض اشْتَدّ وَجَعُه.

وقَولهم: يَعُزّ عليّ، أي: يَشْتَدّ.

وقَولهم: إذا عَزَّ الشيء لم يُوجَد، فَتَأويله: قد اشْتَدَّ وُجُود وَصْف إن وُجِد (فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا) أي: القُدْرَة لله جَمِيعًا، وهو سَيِّد الأرْبَاب (١).

وفي تَفْسِير آيَة "يونس" بَيَّن أنَّ قَوله تَعالى: (إِنَّ الْعِزَّةَ) ابْتِدَاء لِتَمَام الكَلام فِيمَا قبْل ذَلك، وبَيَّن أنَّ مَعْنَى العِزَّة: القُدْرَة، (لِلَّهِ جَمِيعًا) وهو الْمُنْتَقِم مِنهم.

ثم أوْرَد قول سعيد بن المسيب: (إِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا): يَعني: أنَّ الله يُعِزّ مَنْ يَشَاء، كَمَا قَال في آيَة أخْرَى: (وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ)، وعِزَّة الرَّسول والْمُؤمِنين مَنًّا لله، فهي كُلها لله، قال الله: (سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ) (٢).

وفي آية "فاطر" قال الثعلبي: (مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ): يَعْنِي: عِلْم العِزَّة لِمَنْ هِي؟ (فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا)، وذلك أنَّ الكُفَّار عَبَدُوا الأصْنَام وطَلَبُوا بِها التَّعَزُّز، كَمَا أخْبَر الله تَعالى عَنْهم بِقَولِه: (الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا) [النساء: ١٣٩]، وقَال سُبحانه: (وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ آلِهَةً لِيَكُونُوا لَهُمْ عِزًّا) [مريم: ٨١].


(١) الكشف والبيان، مرجع سابق (٣/ ٤٠٣) باختصار.
(٢) المرجع السابق (٥/ ١٣٩).

<<  <   >  >>