للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قال أبو عُبيد: ويُشْبِه هذا حَدِيث النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: يَرِدُ عَليّ أقْوَام الْحَوض فَيُخْتَلَجُون (١)، فأقُول: أُمّتِي، فَيُقَال: إنك لا تَدْرِي مَا أحْدَثُوا بَعْدَك (٢).

قال الماوَرْدِيّ: فإن قِيل: فلم سَألهم عَمَّا هو أعْلَم بِه مِنْهم؟

فَعَنْه جَوابان:

أحَدهما: أنه سَألَهُم ليُعْلِمَهم مَا لَم يَعْلَمُوا مِنْ كُفْر أُمَمِهم ونِفَاقِهم وكَذِبِهم عَليهم مِنْ بَعْدِهم.

الثَّاني: أنه أرَاد أن يَفْضَحَهم بِذلك عَلى رُؤوس الأشْهَاد، لِيَكُون ذَلك نَوعًا مِنْ العُقُوبَة لهم (٣).

وفي آية "النساء" أوْرَد مَا جَاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أَمَرَ قَارِئًا يَقْرأ حتى إذا أَتَى على هَذه الآيَة: (فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا) بَكَى رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى اخْضَلَّتْ وَجْنَتَاه، فَقَال: يا رَبّ هَذا عَلى مَنْ أنا بَين ظَهْرَانَيْهم، فَكَيف مَنْ لَم أرَهم؟ (٤)


(١) قال ابن قتيبة في غريب الحديث (٢/ ٤٢٩): "ليُختلجُن دوني" أي: ليُجتذَبون ويُقطعون عني.
(٢) رواه بنحوه: البخاري (ح ٦٢٠٥)، ومسلم (ح ٢٢٩٧) من حديث ابن مسعود، ومن حديث أنس: رواه البخاري (ح ٦٢١١)، ومسلم (ح ٢٣٠٤)، ومن حديث ابن عباس: رواه البخاري (ح ٤٣٤٩).
(٣) الجامع لأحكام القرآن، مرجع سابق (٦/ ٣٣٤، ٣٣٥) باختصار.
(٤) رواه الطبراني (ح ٤٩٢، ٥٤٦)، وقال الهيثمي (٧/ ٤): رواه الطبراني ورجاله ثقات، ورواه ابن قانع في معجم الصحابة (٣/ ٢١)، والسمرقندي في "بحر العلوم" (١/ ٣٣٠) وقد أورده القرطبي من روايته، وعزاه ابن كثير (٤/ ٥٦) إلى ابن أبي حاتم.
وعزاه السيوطي في الدر المنثور (٢/ ٥٤١) إلى ابن أبي حاتم والبغوي في معجمه والطبراني، وحسّن السيوطي إسناده. وتنظر: الإصابة في تمييز الصحابة، ابن حجر (٦/ ٥).
وقوله: "هذا على من أنا بين ظهرانيهم": أي هذه الشهادة على من أنا فيهم، توضّحه رواية الطبراني: أي رب شهدت على من أنا بين ظهريه، فكيف بمن لم أرَ؟
تنبيه: تعقب محققو تفسير ابن كثير قول الهيثمي - الآنف - وتحسين السيوطي بأن في إسناده فضيل بن سليمان وهو مُضعَف. وهذا التعقب متعقب بأن رواية الطبراني (ح ٤٩٢) ليست من طريق "فضيل"، فلعل التحسين بمجموع الطرق، وقد أورد الهيثمي والسيوطي الروايتين - التي من طريق فضيل والتي من غير طريقه.

<<  <   >  >>