للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وأوْرَد القرطبي مَا رواه البخاري (١) ومسلم (٢) مِنْ حَدِيث ابنِ مَسْعُود رضي الله عنه قَال: قَال لي رَسول الله صلى الله عليه وسلم: اقْرَأ عَليّ. قُلتُ: أقْرَأ عَليك وعَليك أُنْزِل؟ قال: إني أُحِبّ أن أسْمَعه مِنْ غَيري. فَقَرَأتُ عليه سُورة النساء حتى بَلَغْتُ: (فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا) قال: أمْسِك. فإذا عَيْنَاه تَذْرِفَان.

ثم قال القرطبي: قال عُلَمَاؤنا: بُكَاء النبي صلى الله عليه وسلم إنما كان لِعَظِيم مَا تَضَمَّنَتْه هذه الآيَة مِنْ هَوْل الْمَطْلَع وشِدَّة الأمْر، إذ يُؤتَى بالأنْبِياء شُهَدَاء على أُمَمِهم بالتَّصْدِيق والتَّكْذِيب، ويُؤتَى به صلى الله عليه وسلم يَوْم القِيَامَة شَهِيدًا.

والْمَعْنَى: فَكَيف يَكُون حَال هَؤلاء الكُفَّار يَوْم القِيَامَة إذا جِئنَا مِنْ كُلّ أمَّة بِشَهِيد وجِئنَا بِك على هَؤلاء شَهِيدًا؛ أمُعَذّبين أمْ مُنَعِّمِين؟ وهذا اسْتِفْهَام مَعْنَاه التَّوبِيخ (٣).

وفي آيَة "النحل" قال: قَوله تَعالى: (وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا عَلَيْهِمْ مِنْ أَنْفُسِهِمْ) وَهُمْ الأنْبِيَاء، شُهَدَاء عَلى أُمَمِهم يَوْم القِيَامَة بِأنّهم قَدْ بَلَّغُوا الرِّسَالة، ودَعَوْهُم إلى الإيمان، [و] في كُلّ زَمَانٍ شَهِيد، وإن لم يَكن نَبِيًّا، وفِيهم قَولان:

أحَدهما: أنّهم أئمَة الْهُدَى الذين هُمْ خُلَفَاء الأنْبِيَاء.

الثَّاني: فَعَلَى هَذا لم تَكُنْ فَتْرَة إلَّا وَفِيها مَنْ يُوَحِّد الله، كَقسّ بن ساعدة، وزيد بن عمرو بن نفيل الذي قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم: يُبْعَث أُمّة وَحْدَه (٤).


(١) (ح ٤٣٠٦).
(٢) (ح ٨٠٠).
(٣) الجامع لأحكام القرآن، مرجع سابق (٥/ ١٩٠، ١٩١).
(٤) رواه ابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (ح ٧٧٤)، ورواه البزار (ح ١٣٣١)، وأبو يعلى (ح ٧٢١٢)، والطبراني (ح ٣٥٠) ومن طريقه: الضياء في المختارة (ح ١١١١)، وقال الهيثمي (٩/ ٤١٨): رواه أبو يعلى والبزار والطبراني. ورجال أبي يعلى والبزار وأحد أسانيد الطبراني رجال الصحيح غير محمد بن عمرو بن علقمة وهو حَسن الحديث، وانظر في تراجم هؤلاء المذكورين: السيرة النبوية في ضوء المصادر الأصلية، مهدي رزق الله. (ص ٧٢) وما بعدها.

<<  <   >  >>