للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

عَامًّا لِجَميع الْخَلْق - مِنْ حَيث قَصَد تَشْرِيفَهم، والتَّنْويه بِهم .... ومِنه قَول النبي صلى الله عليه وسلم لِسَعد بن أبي وقاص: هَذا خَالي، فَلْيُرِني امْرؤ خَالَه (١). والسُّلْطَان الْمَلَكَة والتَّغَلُّب، وتَفْسِيره هُنا بالْحُجَّة قَلِق، ثم قَال تَعالى لِنَبِيِّه صَلى الله عليه وسلم: (وَكَفَى بِرَبِّكَ وَكِيلَا) يا مُحمد حَافِظًا للمُؤمِنِين، وقَيِّمًا على هِدَايَتهم (٢).

واكْتَفى ابنُ عطية في تَفْسِير آيَة "سبأ" بِقَوله: والسُّلْطَان: الْحُجَّة، وقد يَكُون الاسْتِعْلاء والاسْتِقْدَار، إذ اللفْظ مِنْ التَّسَلُّط. وقال الحسن بن أبي الحسن: والله مَا كَان لَه سَيْف ولا سَوْط، ولَكِنه اسْتَمَالهم فَمَالُوا بِتَزْيِينِه (٣).

وتَتَابَع الْمُفَسِّرُون على تَفْسِير السُّلْطَان بِالْحُجَّة والقُدْرَة، إذْ يَقُول الرَّازي: قَوله: (وَمَا كَانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ) [إبراهيم: ٢٢]، أي: قُدْرَة ومَكِنَة (٤)، وتَسَلُّط وقَهْر، فأقْهَرُكم على الكُفْر والْمَعَاصِي، وألْجِئكُم إلَيها (٥).

ورَبَط الرَّازي بَيْن آيَات سُورة الْحِجْر، وأشَار إلى اتِّصَال قَوله تَعالى: (إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ) بِما قَبْلَه مِنْ قَوْل إبْلِيس وتَوَعُّدِه، حَيْث يَقُول: اعْلَم أنَّ إبْلِيس لَمَّا قال: (لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (٣٩) إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ) [الحجر: ٣٩، ٤٠] أوْهَم هَذا الكَلام أنَّ له سُلْطَانًا عَلى عِبَاد الله الذين يَكُونُون مِنْ الْمُخْلَصِين، فَبَيَّن تَعالى


(١) رواه الترمذي (ح ٣٧٥٢) وقال: هذا حديث حسن غريب، لا نعرفه إلا من حديث مجالد. وكان سعد بن أبي وقاص من بني زهرة، وكانت أم النبي صلى الله عليه وسلم من بني زهرة، فلذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: هذا خالي.
(٢) المحرر الوجيز، مرجع سابق (٣/ ٤٧١).
(٣) المرجع السابق (٤/ ٤١٧) والحسن بن أبي الحسن، هو الحسن البصري، وينظر كتاب: "آداب الحسن بن أبي الحسن البصري"، ابن الجوزي.
(٤) في اللسان (١٣/ ٤١٣): يُقَال: إن فُلانًا لذو مكنة من السلطان؛ فسمي موضع الطير مكنة لتمكنه فيه.
(٥) التفسير الكبير، مرجع سابق (١٩/ ٨٨).

<<  <   >  >>