للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقال القرطبي: في هَذه الآيَة دَلِيل على فَسَاد إنْكَار مَنْ أنْكَر الصَّرع مِنْ جِهَة الْجِنّ، وزَعَم أنه مِنْ فِعْل الطَّبَائع، وأنَّ الشَّيْطَان لا يَسْلُك في الإنْسَان، ولا يَكُون مِنه مَسّ (١).

وقال ابن جُزي: أجْمَع الْمُفَسِّرون أنَّ الْمَعْنَى: لا يَقُومُون مِنْ قُبُورِهم في البَعْث إلَّا كَالْمَجْنُون. و (يَتَخَبَّطُهُ) يَتَفَعَّله، مِنْ قَولك: خَبَط يَخْبِط، والْمَسّ الْجُنُون (٢).

وفي السُّنَّة أحَادِيث كَثِيرَة، مِنها:

مَا رَواه البخاري (٣) ومسلم (٤) مِنْ حَديث ابن عباس في قِصَّة الْمَرْأة التي كَانتْ تُصْرَع. والصَّرع مُحتَمِل للنَّوْعَين، "إذْ الصَّرع صَرعَان: صَرْع مِنْ الأرْوَاح الْخَبِيثَة الأرْضِيَّة، وصَرْع مِنْ الأخْلاط الرَّدِيئة. والثَّاني هو الذي يَتَكَلَّم فِيه الأطِبَّاء في سَبَبِه وعِلاجِه، وأمَّا صَرْع الأرْوَاح فَأئمَّتُهم وعُقَلاؤهم يَعْتَرِفُون بِه ولا يَدْفَعُونه، ويَعْتَرِفُون بِأنَّ عِلاجَه بِمُقَابَلَة الأرْوَاح الشَّرِيفَة الْخَيِّرَة العُلْوِيَّة لِتِلْك الأرْوَاح" (٥).

ومِمَّا يَدُلّ على صَرْع الْجِنّ للإنس مَا رَوَاه ابنُ ماجه (٦) عن عثمان بن أبي العاص رضي الله عنه أنه قال: يا رَسُول الله عَرَض لي شَيء في صَلَوَاتي حتى مَا أدْرِي مَا أُصَلِّي.

قال: ذاك الشَّيْطَان، أدنُه، فَدَنَوتُ مِنه، فَجَلَستُ على صُدُور قَدَمِي، قال: فَضَرَب صَدْرِي بِيَدِه، وتَفَل في فَمِي، وقال: اخْرُج عَدَوّ الله - فَفَعَل ذلك ثَلاث مَرَّات - ثم قال: الْحَق بِعَمَلِك. فقال عثمان: فَلَعَمْري مَا أحْسَبُه خَالَطَني بَعْد.


(١) الجامع لأحكام القرآن، مرجع سابق (٣/ ٣٣٧).
(٢) التسهيل لعلوم التنزيل، مرجع سابق (١/ ٩٤).
(٣) (ح ٥٣٢٨).
(٤) (ح ٢٥٧٦).
(٥) زاد المعاد، ابن القيم (٤/ ٦٦)، وانظر: مجموع فتاوى ابن تيمية، مرجع سابق (٢٤/ ٢٧٦، ٢٧٧)، "وفتح الباري"، مرجع سابق (١٠/ ١١٤).
(٦) (ح ٣٥٤٨).

<<  <   >  >>