للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ومَا رَواه ابن أبي شيبة (١) والدارمي (٢) وعَبْدُ بن حُميد (٣) مِنْ حديث جابر رضي الله عنه، وفِيه: أنَّ امْرَأة أتَتِ النبي صلى الله عليه وسلم فَقَالَتْ: إنَّ ابْنِي هَذا بِه لَمَم مُنْذ سَبْع سِنِين، يأخُذه كُلّ يَوم مَرَّتَين، فَقَال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ادْنِيه، فأدْنَتْه منه، فَتَفَل في فِيه، وقال: اخْرُج عَدَوَّ الله، أنَا رَسُول الله (٤).

فَكُلّ هذا دَالّ على صَرْع الْجِنّ للإنْس، وعلى تَلَبُّس الْجِنّ للإنْس، وأنَّ الْجِنِّي يَدْخُل بَدَن الْمَصْرُع، وإلَّا لَم يَكُنْ لِقَولِه عليه الصلاة والسلام: "اخْرُج عَدُوَّ الله". مَعْنَى.

فـ "صَرْع الْجِنّ للإنْس قد يَكُون عن شَهْوَة وهَوى وعِشْق، كَمَا يَتَّفِق للإنْس مَع الْجِنّ، وقد يَتَنَاكَح الإنْس والْجِنّ ويُولَد بَيْنَهُما وَلَد، وهذا كَثِير مَعْرُوف، وقَد ذَكَرَ العُلَمَاء ذلك وتَكَلَّمُوا عَليه. وكَرِهَ أكْثرُ العُلَمَاء مُنَاكَحَة الْجِنّ" (٥).

والإشْكال الذي لَم أرَ مَنْ أشَار إلَيه مِنْ الْمُفَسِّرِين في هذه الآيَات هو: مَا وَقَع للنبي عليه الصلاة والسلام مِنْ تَعَرُّض شَيْطَان لَه في صَلاته، كَمَا رَوى أبو هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه صَلَّى صَلاة فَقَال: إنَّ الشَّيْطَان عَرَض لي فَشَدَّ عَليَّ لِيَقْطَع الصَّلاة عَليَّ، فأمْكَنَنِي الله مِنه فَذَعَتُّه، ولَقَد هَمَمْتُ أن أُوثِقَه إلى سَارِيَة حَتى تُصْبِحُوا، فَتَنْظُروا إليه، فَذَكَرْتُ قَوْل سُلَيْمَان عليه السلام: (رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي) [ص: ٣٥] فَرَدَّه الله خَاسِيا (٦).


(١) (ح ٣١٧٥٤).
(٢) (ح ١٧).
(٣) (ح ١٠٥٣).
(٤) ورغبة في الاختصار ينظر: ما رواه الإمام أحمد من حديث ابن عباس (ح ٢٢٨٨)، ومن حديث يعلى بن مرة (ح ١٧٥٤٨، ١٧٥٤٩، ١٧٥٦٣، ١٧٥٦٥)، وينظر لذلك أيضًا: زاد المعاد، مرجع سابق (٤/ ٦٦ وما بعدها).
(٥) من قول ابن تيمية: مجموع الفتاوى، مرجع سابق (١٩/ ٣٩، ٤٠).
(٦) رواه البخاري (ح ١١٥٢)، ومسلم (ح ٥٤١).

<<  <   >  >>