للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وفي حَديث أبي الدَّرداء رضي الله عنه قَال: قَام رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فَسَمِعْناه يَقُول: أعُوذ بِالله مِنك، ثم قال: ألْعَنُك بِلَعْنَةِ الله ثَلاثًا، وبَسَطَ يَدَه، كَأنّه يَتَنَاول شَيئًا، فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ الصَّلاة قُلْنَا: يَا رَسُول الله قد سَمِعْنَاك تَقُول في الصَّلاة شَيئا لم نَسْمَعْك تَقُوله قَبْل ذلك، ورَأيْنَاك بَسَطْتَ يَدَك. قال: إنَّ عَدُو الله إبْلِيس جَاء بِشِهَاب مِنْ نَار لِيَجْعَله في وَجْهِي، فَقُلْتُ: أعُوذ بِالله مِنك ثَلاث مَرَّات، ثم قُلتُ: ألْعَنُك بِلَعْنَةِ الله التَّامَّة، فَلم يَسْتَأخِر ثَلاث مَرَّات، ثم أرَدْتُ أخْذَه، والله لَولا دَعْوة أخِينَا سُلَيمَان لأصْبَح مُوثَقًا يَلْعَب بِه وُلْدان أهْل الْمَدِينَة (١).

فَهذه مُحَاولات شَيْطَانِيَّة لإيْذَاء خَيْر البَشَرِيَّة، ولَيْسَتْ تَسَلُّطًا على النبي عليه الصلاة والسلام، ولو كان له سُلْطَان لَمَا أمْكَن دَفْعه والتَّغَلُّب عَليه.

ثم إنَّ هَذا عِفْرِيتًا مِنْ الْجِنّ، وليس هو إبْلِيس الذي خُوطِب بِنَفْي السُّلْطان، فَفي رِوَايات حديث أب هريرة: إنّ عِفْرِيتًا مِنْ الْجِنّ (٢).

"وعُورِض (٣) بِحَدِيث قَولِه لِعُمَر: "مَا لَقِيَك الشَّيْطَان سَالِكًا فَجًّا إلَّا سَلَك فَجًّا غيره".

وأجَاب الشَّيخ بأنَّ هُرُوبَه مِنْ عُمَر هو بِاعْتِبَار الوَسْوَسَة، وهي مُنْتَفيَة عنه صلى الله عليه وسلم لِلعِصْمَة، وأجَاب غَيره مِنْ أهْل مَجْلِسِه بأنَّ عِفْرِيتًا أخَصّ مِنْ مُطْلَق الشَّيْطَان الذي يَهرُب مِنْ عُمر رضي الله عنه" (٤).

قال ابن حجر: وهو ظَاهِر في أنَّ الْمُرَاد بِالشَّيْطَان في هذه الرِّوَاية غَير إبْلِيس كَبِير الشَّيَاطِين (٥).

وأذَى الشَّيْطَان للأنْبِياء والصَّالِحِين إنّمَا هوَ في آخِر سِلَاح يَسْتَطِيعُه الشَّيْطَان، إذْ قد وَضَع لابْنِ آدَم سَبْعَ عَقَبَات؛ السَّابِعَة مِنها هِي التي "لَو نَجَا مِنها أحَد لَنَجَا مِنها رُسُل


(١) رواه مسلم (ح ٥٤٢).
(٢) كما في رواية البخاري (ح ٤٤٩)، ومسلم (ح ٥٤١).
(٣) يَعني حديث أبي هريرة السابق.
(٤) إكمال إكمال المعلم، الأبي (٢/ ٤٤٣).
(٥) فتح الباري، مرجع سابق (٣/ ٨٠).

<<  <   >  >>