للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وبِنَحْوِه قَال في تَفْسِير آيَة "الطور"، إذ يقول: فَقَوله تَعالى: (أَمْ تَسْأَلُهُمْ أَجْرًا) على تَبْلِيغ الرِّسَالَة (فَهُمْ مِنْ مَغْرَمٍ) أي: فَهُمْ مِنْ الْمَغْرَم الذي تَطْلُبُهم بِه (مُثْقَلُونَ) مُجْهَدُون لِمَا كَلَّفْتَهم بِهِ (١).

وبِنَحْوِه قال في تَفْسِير سُورة القَلَم (٢).

ويَرى القرطبي أنَّ الاسْتِثْنَاء في آيَة "الفرقان" مُنْقَطِع، حَيث قَال: (قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ) يُرِيد على مَا جِئتُكُم بِه مِنْ القُرْآن والوَحْي. و (مِنْ) للتَّأكيد (إِلَّا مَنْ شَاءَ) لكن مَنْ شَاء، فهو اسْتِثْنَاء مُنْقَطِع، والْمَعْنَى: لَكِن مَنْ شَاء (أَنْ يَتَّخِذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلًا) بإنْفَاقِه مِنْ مَاله في سَبِيل الله فَلْيُنْفِق. ويَجُوز أن يَكون مُتَّصِلًا، ويُقَدَّر حَذْف الْمُضَاف، التَّقْدِير: إلَّا أجْر مَنْ شَاء أن يَتَّخِذ إلى رَبِّه سَبِيلًا باتِّبَاع دِينِي حتى يَنَال كَرَامَة الدُّنيا والآخِرَة (٣).

في حِين فصَّل القَول في آيَة "الشورى"، فَقَال - مَا مُلخَّصه -:

(قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا) أي: قُلْ يَا محمد: لا أسْألُكُم على تَبْلِيغ الرِّسَالة جُعلا (إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى) قال الزَّجَّاج: (إِلَّا الْمَوَدَّةَ) اسْتِثْنَاء لَيْس مِنْ الأوَّل، أي: إلَّا أنْ تَوَدُّونِي لِقَرَابَتِي، فَتَحْفَظُوني، والْخِطَاب لِقُرَيش خَاصَّة.

قَال الشَّعبي: أكْثَر النَّاسُ عَلينا في هَذه الآيَة، فَكَتَبْنَا إلى ابنِ عباس نَسْأله عَنها، فَكَتَب: إنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كان أوْسَط النَّاس في قُرَيش، فَلَيس بَطْن مِنْ بُطُونِهم إلَّا وقَد وَلَدَه، فَقَال الله لَه: (قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى) إلَّا أنَّ تَوَدُّونِي في قَرَابتي مِنْكم (٤). أي: تُرَاعُوا مَا بَينِي وبَينَكم فَتُصَدِّقُوني، فـ (الْقُرْبَى) ها هُنا قَرابة الرَّحِم، كَأنه قَال: اتَّبِعُوني للقَرَابَة إنَّ لَم تَتَّبِعُوني للنُّبُوَّة.

قال عكرمة: وكَانَت


(١) الجامع لأحكام القرآن، مرجع سابق (١٧/ ٦٧).
(٢) المرجع السابق (١٨/ ٢٢٠).
(٣) المرجع السابق (١٣/ ٦٢).
(٤) وعنه قول آخر، رواه ابن جرير (٢٠/ ٥٠٠).

<<  <   >  >>