(إِلَّا مَنْ شَاءَ أَنْ يَتَّخِذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلًا) يَقُول: لَكِن مَنْ شَاء مِنْكُم اتَّخَذ إلى رَبِّه (سَبِيلًا) طَرِيقًا بإنْفَاقِه مِنْ مَالِه في سَبِيلِه، وفِيمَا يُقَرِّبه إليه مِنْ الصَّدَقة والنَّفَقَة في جِهَاد عَدُوِّه، وغَير ذلك مِنْ سُبُل الْخَيْر (١).
بَيْنَمَا فَصَّل ابن جرير في آية "الشورى"، فَقَال: يَقُول تَعالى ذِكْرُه لِنَبِيِّه محمد: قُلْ يَا محمد للذِين يُمَارُونَك في السَّاعَة مِنْ مُشْرِكِي قَوْمِك: لا أسْألُكُم أيّهَا القَوْم على دِعَايَتِكُم إلى مَا أدْعُوكُم إليه مِنْ الْحَقّ الذي جِئتُكُم به، والنَّصِيحَة التي أنْصَحُكُم - ثَوَابًا وجَزاء وعِوَضًا مِنْ أمْوالِكم تُعْطُونَنِيه (إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى).
ثم ذَكَر ابن جرير الاخْتِلاف في مَعْنَى الْقُرْبَى، فَقَال مَا مُلخَّصه:
واخْتَلف أهْل التَّأويل في مَعْنَى قَوله:(إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى)، فَقَال بَعْضُهم: مَعْنَاه: إلَّا أن تَوَدُّونِي في قَرَابَتِي مِنْكُم، وتَصِلُوا رَحِمِي بَينِي وبَينَكُم.
وقَال آخَرُون: بَلْ مَعْنَى ذلك: قُلْ لِمَنْ تَبِعَك مِنْ الْمُؤمِنِين: لا أسْألُكُم على مَا جِئتُكُم بِه أجْرًا إلَّا أن تَوَدُّوا قَرَابَتِي.
وقَال آخَرُون: بَلْ مَعْنَى ذلك: قُلْ: لا أسْألُكُم أيّهَا النَّاس عَلى مَا جِئتُكُم بِه أجْرًا إلَّا أن تَوَدَّدُوا إلى الله، وتَتَقَرَّبُوا بِالعَمَل الصَّالِحِ والطَّاعَة.
وأوْلَى الأقْوَال بِالصَّوَاب - عند ابن جرير - وأشْبَهِها بِظَاهِر التَّنْزِيل قَوْل مَنْ قَال: مَعْنَاه: قُلْ: لا أسْألُكُم عليه أجْرًا يَا مَعْشَر قُرَيش إلَّا أن تَوَدُّونِي في قَرَابَتِي مِنْكُم، وتَصِلُوا الرَّحِم التي بَيْنِي وبَيْنَكُم.