للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ثم عَلل هَذا الاخْتِيَار بِقَولِه: وإنّمَا قُلْتُ هذا القَوْل أوْلى بِتَأوِيل الآيَة، لِدُخُولِ (فِي) في قَولِه: (إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى)، ولَو كَان مَعْنَى ذَلك على مَا قَالَه مَنْ قَال: إلَّا أن تَوَدُّوا قَرَابَتِي، أوْ عَلى مَا قَالَه مَنْ قَال: إلَّا أن تَوَدُّوا قَرَابَتِي وتَقَرَّبُوا إلى الله؛ لم يَكُنْ لِدُخُول (فِي) في الكَلام في هَذا الْمَوْضِع وَجْه مَعْرُوف، ولَكَان التَّنْزِيل "إلَّا مَوَدَّة القُرْبَى" إن عُنِيَ به الأمْر بِمَوَدَّة قَرَابَة رَسُول الله صلى الله عليه وسلم، أوْ "إلَّا الْمَوَدَّة بالقُرْبَى" أوْ "والقُرْبَى" إن عُنِي بِه: إلَّا التَّوَدُّد والتَّقَرُّب.

وفي دُخُول (فِي) في الكَلام أوْضَح الدَّلِيل على أنَّ مَعْنَاه: إلَّا مَوَدَّتِي في قَرَابَتِي مِنْكُم. وأن الألف واللام في (الْمَوَدَّةَ) أُدْخِلَتَا بَدَلًا مِنْ الإضَافَة، كَمَا قِيل: (فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى) [النازعات: ٤١].

وقَوله: (إِلَّا) في هَذا الْمَوضِع اسْتِثْنَاء مُنْقَطِع.

وَمعْنَى الكَلام: قُلْ: لا أسْألُكُم عَليه أجْرًا، لَكِنّي أسْألُكُم الْمَوَدَّة في القُرْبَى (١).

وبيَّن ابنُ جرير مَعْنَى قَوله تَعالى: (أَمْ تَسْأَلُهُمْ أَجْرًا فَهُمْ مِنْ مَغْرَمٍ مُثْقَلُونَ) [الطور: ٤٠] بِقَوله: يَقُول تَعَالى ذِكْرُه لِنَبِيِّه محمد صلى الله عليه وسلم: أتَسْأل هَؤلاء الْمُشْرِكِين الذين أرْسَلْنَاك إلَيهم يَا محمد عَلى مَا تَدْعُوهُم إليه مِنْ تَوْحِيد الله وطَاعَتِه ثَوَابًا وعِوَضًا مِنْ أمْوَالِهم، فَهُمْ مِنْ ثِقَلِ مَا حَمَّلْتَهم مِنْ الغُرْم لا يَقْدِرُون على إجَابَتِك إلى مَا تَدْعُوهم إلَيه؟ (٢)

وبِنَحْوه قال في تَفسِير سُورة القَلَم (٣).


(١) انظر: جامع البيان، مرجع سابق (٢٠/ ٤٩٤ - ٥٠٢٠).
(٢) جامع البيان، مرجع سابق (٢١/ ٥٩٩).
(٣) المرجع السابق (٢٣/ ١٩٩).

<<  <   >  >>