للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ويَقول السمرقندي في آيَة "الأنعام" (قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا): يَعني: قُلْ للمُشْرِكِين: لا أسْألُكُم عَلى الإيمَان والقُرْآن جُعْلًا (إِنْ هُوَ) يَعني: مَا هو، وهو القُرْآن (إِلَّا ذِكْرَى لِلْعَالَمِينَ) يَعْنِي: مَوْعِظَة للعَالَمِين: الإنْس والْجِنّ (١).

وفي آية "سبأ" يَقُول: قَال عَزَّ وَجَلَّ: (قُلْ مَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ فَهُو لَكُمْ)، وذلك أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم أمَرَ كُفَّار مَكَّة أنْ لا يُؤذُوا قَرَابَاتِه، فَكَفُّوا عَنْ ذَلك، ونَزل: (قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى) [الشورى: ٢٣]، فَكَفُّوا عَنْ ذَلك. ثم سَمِعُوا بِذِكْرِ آلِهَتِهم، فَقَالُوا: ألا تَنظرون إليه؟ يَنْهَانا عن إيذَاء قَرَابَته، وسَألْنَاه أن لا يُؤذِينا في آلهَتنا فلا يَمْتَنع. فَنَزَل: (قُلْ مَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ) إن شِئتُم آذُوهم، وإن شِئتُم امْتَنَعْتُم (إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ) فهو الْحَافِظ والنَّاصِر (وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ) بَأنِّي نَذِير، ومَا بِي جُنُون (٢).

ومَعْنَى آيَة "ص" عنده: قُلْ يا محمد: (مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ) يَعْنِي عَلى الذِي أتَيْتُكُم بِه مِنْ القُرْآن (مِنْ أَجْرٍ) ولكن أُعَلِّمُكُم بِغَيْر أَجْر (وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ) يَعْنِي: مَا أتَيْتُكُم بِه مِنْ قِبَل نَفْسِي، ومَا تَكَلّفْتُه مِنْ تِلْقَاء نَفْسِي. (إِنْ هُوَ) يَعْنِي: مَا هَذا القُرْآن (إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ) [ص: ٨٧] يَعْنِي: إلَّا عِظَة للجِنّ والإنْس (٣).

ويَرَى أنَّ الْمَقْصُود بِالسَّبِيل في آيَة "الفرقان" هو التَّوْحِيد، حَيث يَقُول السمرقندي: (قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ) يَعْنِي: قُلْ لِكُفَّار مَكَّة: (مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ) يَعْنِي: عَلى القُرْآن والإيمان.

(مِنْ أَجْرٍ) يَعْنِي: مِنْ جُعْل. (إِلَّا مَنْ شَاءَ أَنْ يَتَّخِذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلًا) يَعْنِي: إلَّا مَنْ شَاء أن يُوَحِّد ويَتَّخِذ إلى رَبِّه بِذلك التَّوحِيد سَبِيلًا، يَعْنِي: مَرْجِعًا. ويُقَال: يَعْمَل


(١) بحر العلوم، مرجع سابق (١/ ٤٨٥).
(٢) المرجع السابق (٣/ ٩٠).
(٣) المرجع السابق (٣/ ١٦٧).

<<  <   >  >>