للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ويَرى أنَّ آيَة "الفرقان" مُرْتَبِطَة بِمَا قَبْلَها، وهو قوله تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا مُبَشِّرًا وَنَذِيرًا)، فإنّه قَال فِيها: الآية تَسْلِية لِمُحَمَّد صلى الله عليه وسلم، أي: لا تَهْتَم بِهم، ولا تَذْهَب نَفْسُك حَسَرات حِرْصًا عَليهم، فإنّمَا أنْتَ رَسُولٌ تُبَشِّر الْمُؤمِنين بِالْجَنَّة، وتُنْذِر الكَفَرَة النَّار، ولَسْتَ بِمَطْلُوب بِإيمَانِهم أجْمَعِين، ثم أمَرَه تَعالى بأن يَحْتَجّ عَليهم مُزِيلًا لِوُجُوه التُّهَم بِقَوله: (مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ)، أي: لا أطْلُب مَالًا ولا نَفْعًا يَخْتَصّ بي، وقَوله: (إِلَّا مَنْ شَاءَ) الظَّاهر فِيه أنه اسْتِثْنَاء مُنْقَطِع، والْمَعنى: مَسْؤولِي ومَطْلُوبِي مَنْ شَاء أن يَهْتَدِي ويُؤمِن ويَتَّخِذ إلى رَحْمَة رَبِّه طَرِيقَ نَجَاة.

قال الطبري: الْمَعْنَى: لا أسْألُكم أجْرًا إلَّا إنْفَاق الْمَال في سَبِيل الله، فهو الْمَسْؤول، وهو السَّبِيل إلى الرَّبّ.

ورَجَّح أنَّ "الاسْتِثْنَاء على هَذا كالْمُتَّصِل، وكَأنه قَال: إلَّا أجْر مَنْ شَاء. والتَّأويل الأوَّل أظْهَر" (١).

وأنَّ آيَة "سبأ" مَعْنَاها: "أمَرَه الله تَعالى في هَذه الآيَة بِالتَّبَرِّي مِنْ طَلَب الدُّنيا وطَلَب الأجْر على الرِّسَالة، وتَسْلِيم كُل دُنْيا إلى أرْبَابِها، والتَّوكُّل على الله في الأجْر، وجَزاء الْجِدّ والإقْرَار بِأنه شَهِيد على كل شَيء مِنْ أفْعَال البَشَر وأقْوَالهم، وغير ذلك" (٢).

وقال في آية "ص": أمَرَ تَعالى نَبِيَّه أن يُخْبِرهم بِأنه ليس بِسَائل أجْر ولا مَال، وأنه ليس مِمَّنْ يَتَكَلّف مَا لَم يُجْعَل إليه، ولا يَتَحَلَّى بِغَير مَا هو فِيه. وقال الحسين بن الفضل: هَذه الآيَة نَاسِخَة لِقَوله: (قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى) [الشورى: ٢٣] (٣).


(١) المحرر الوجيز، مرجع سابق (٤/ ٢١٥).
(٢) المرجع السابق (٤/ ٤٢٥).
(٣) المرجع السابق (٤/ ٥١٦).

<<  <   >  >>