للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقِيل: إلَّا مَا شَاء الله مِنْ كَوْنِهم في الدُّنيا بِغَير عَذَاب.

ومَعْنَى هَذه الآيَة مَعْنَى الآيَة التي في "هود"، قَوله: (فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ)، وهُنَاك يَأتي مُسْتَوفًى - إن شَاء الله - (إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ) أي: في عُقُوبَتهم وفي جَمِيع أفْعَاله (عَلِيمٌ) بِمِقْدَار مُجَازَاتِهم (١).

وأمَّا مَا أحَال عليه في تَفْسِير سُورة هُود، فهو قَوله: قَوله تَعالى: (خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ). (مَا دَامَتِ) في مَوْضِع نَصْب على الظَّرْف، أي: دَوَامِ السَّمَاوَات والأرْض، والتَّقْدِير: وَقْت ذَلك، واخْتُلِف في تَأويل هَذا، فَقَالتْ طَائفَة مِنْهم الضَّحَّاك: الْمَعْنَى: مَا دَامَتْ سَمَاوَات الْجَنَّة والنَّار وأرْضهما. والسَّمَاء كُلّ مَا عَلاك فأظَلَّك، والأرْض مَا اسْتَقَرّ عليه قَدَمُك. وفي التَّنْزِيل: (وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ) [الزمر: ٧٤].

وقِيل: أرَادَ بِه السَّمَاء والأرْض الْمَعْهُودَتَيْن في الدُّنيا، وأجْرَى ذلك على عَادة العَرَب في الإخْبَار عن دَوَام الشَّيء وتَأبِيدِه، كَقَولِهم: لا آتِيك مَا جَنّ لَيل، أوْ سَال سَيل، ومَا اخْتَلَف الليل والنَّهَار، ومَا نَاح الْحَمام، ومَا دَامَت السَّمَاوات والأرْض، ونَحو هَذا مِمَّا يُرِيدُون به طُولًا مِنْ غَير نِهَايَة؛ فَأفْهَمَهم الله تَخْلِيد الكَفَرة بِذلك، وإن كان قد أخْبَر بِزَوَال السَّمَاوَات والأرْض.

وعن ابن عباس أنَّ جَمِيع الأشْيَاء الْمَخْلُوقَة أصْلُها مِنْ نُور العَرْش، وأنَّ السَّمَاوَات والأرْض في الآخِرَة تُرَدَّان إلى النُّور الذي أُخِذَتا مِنه، فَهُمَا دَائمَتَان أبدًا في نُور العَرْش.

وبَيَّن القرطبي أنَّ الاستِثْنَاء مُنْقَطِع، فَقَال:

قَوله تَعالى: (إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ) في مَوْضِع نَصْب، لأنه استِثْنَاء لَيس مِنْ الأوَّل.

ثم سَاق الْخِلاف في مَعْنَى الاسْتِثْنَاء مِنْ عَشَرَة أوْجُه، فَقَال:


(١) الجامع لأحكام القرطبي، مرجع سابق (٧/ ٧٥).

<<  <   >  >>