للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

(لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ) [الفتح: ٢٧]، فهو اسْتِثْنَاء في واجِب، وهَذا الاسْتِثْنَاء في حُكْم الشَّرْط كَذلك، كَأنه قَال: إنْ شَاء رَبُّك. فَلَيْس يُوصَف (١) بِمُتَّصِل ولا مُنْقَطِع، ويُؤيِّدُه ويُقَوِّيه قَوله تَعالى: (عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ) [هود: ١٠٨]. ونَحوه عن أبي عبيد، قال: تَقَدَّمَتْ عَزِيمة الْمَشيْئة مِنْ الله تَعَالى في خُلُود الفَرِيقَيْن في الدَّارَين، فَوَقَع لَفْظ الاسْتِثْنَاء، والعَزِيمة قد تَقَدّمَتْ في الْخُلُود.

وقول حَادِي عشر: وهو أنَّ الأشْقِيَاء هُمْ السُّعَداء! والسُّعَدَاء هم الأشْقِيَاء لا غيرهم، والاسْتِثْنَاء في الْمَوْضِعَيْن رَاجِع إلَيهم، وبَيَانُه: أنَّ (مَا) بِمَعْنَى "مَنْ" اسْتَثْنَى اللهُ عَزَّ وَجَلّ مِنْ الدَّاخِلِين في النَّار الْمُخَلَّدِين فِيها الذِين يُخْرَجُون مِنها مِنْ أمَّة محمد صلى الله عليه وسلم بما مَعَهم مِنْ الإيمان، واسْتَثْنَى مِنْ الدَّاخِلِين في الْجَنَّة الْمُخَلَّدِين فِيها، الذين يَدخلون النار بِذُنُوبهم قَبْل دُخُول الْجَنَّة، ثم يُخْرَجُون مِنها إلى الْجَنَّة، وهُم الذين وَقَع عليهم الاسْتِثْنَاء الثَّاني، كَأنه قَال تَعالى: (فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ (١٠٦) خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ) ألَّا يُخَلِّده فِيها، وهم الْخَارِجُون مِنْها مِنْ أمَّة محمد صلى الله عليه وسلم بِإيمانِهم وبِشَفَاعَة محمد صلى الله عليه وسلم، فَهم بِدُخُولِهم النَّار يُسَمُّون الأشْقِيَاء، وبِدُخُولِهم الْجَنَّة يُسَمُّون السُّعَدَاء، كما رَوى الضحاك عن ابن عباس إذ قال: الذين سُعِدُوا شَقُوا بِدُخُول النَّار ثم سُعِدُوا بالْخُرُوج مِنها ودُخُولِهم الْجَنَّة (٢).

وأمَّا في آيَة "النساء" فَاقْتَصَر القُرْطبي عَلى قَوله: قَوله تَعالى: (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَظَلَمُوا) يَعْنِي اليَهُود، أي: ظَلَمُوا مُحمدًا بِكِتْمَان نَعْتِه، وأنْفُسَهم (٣) إذْ كَفَرُوا، والنَّاس إذْ كَتَمُوهُم. (لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ) هَذا فِيمَن يَمُوت عَلى كُفْرِه ولَم يَتُب (٤).


(١) يَعني الاستثناء.
(٢) الجامع لأحكام القرآن، مرجع سابق (٩/ ٨٥ - ٨٨) بتصرف واختصار.
(٣) أي: وظلموا أنفسهم.
(٤) المرجع السابق (٦/ ٢٠).

<<  <   >  >>