للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وأوْرَد السمعاني سُؤالًا عن مَعْنَى الاسْتِثْنَاء في آيَة "الأنعام"، فَقَال: فَإن قَال قَائل: ألَيس أنَّ الكَافِرِين خَالِدُون في النَّار بِأجْمَعِهم، فَما هَذا الاسْتِثْنَاء؟

الْجَوَاب: قال الفراء هو مِثل قَوله: (خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ) يَعْنِي مِنْ الزِّيَادة على مُدَّة دَوَام السَّمَاوَات والأرْض. فَهَذا هُو الْمُرَاد بِهَذِه الآيَة أيضًا.

وقِيل: الاسْتِثْنَاء في العَذَاب، يَعْنِي: خَالِدِين في نَوْعٍ مِنْ العَذَاب إلَّا مَا شَاء الله مِنْ سَائر العَذَاب.

وقِيل: هو اسْتِثْنَاء مُدَّة البَعْث والْحِسَاب لا يُعَذَّبُون في وَقْت البَعْث والْحِسَاب (١).

واسْتَدَلّ على مَعْنَى الاسْتِثْنَاء في آيَة "هُود" بِمَا جَاء في السُّنَّة، فَقَال: وقَوله: (خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ) أمَّا بِالْمَعْنَى الْمَأثُور؛ رَوَى الضحاك عن ابن عباس أنَّ الآيَة نَزَلَتْ في قَوْم مِنْ الْمُؤمِنِين يُدْخِلُهم الله تَعالى النَّار، ثم يُخْرِجُهم مِنها إلى الْجَنَّة، ويُسَمَّون الْجَهَنَّمِيِّين (٢) وقد ثَبَت بِرِوَاية جَابِر (٣) أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قَال: يُخْرِج الله قَوْمًا مِنْ النَّار قد صَارُوا حُمَمًا فيُدْخِلهم الْجَنَّة. وفي البَاب أخْبَار كَثِيرَة.

فَعَلى هَذا القَوْل: مَعْنَى الآيَة: (فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا) هَؤلاء الذين أُدْخلُهم النَّار .... (خَالِدِينَ فِيهَا) مُقِيمِين فِيها (مَا دَامَتِ السَّمَاوَات وَالْأَرْضُ) عَبَّر بِهَذا عن طُول الْمُكْث.

ويَرَى أنَّ الاسْتِثْنَاء وَقَع على مَا بَعْد الإخْرَاج مِنْ النَّار بِشَفَاعَة الأنْبِيَاء والْمُؤمِنِين (٤) وأحَال في آيَة "الأحزاب" على مَا سَبَق بَيَانه.


(١) تفسير القرآن، مرجع سابق (٢/ ١٤٥).
(٢) سبق تخريجه، وقد رواه البخاري من حديث أنس مرفوعًا.
(٣) هو في الصحيحين من حديث أبي سعيد الخدري، وقد سبق تخريجه. وأمَّا حَديث جَابر؛ فقد رضواه بِنحوه أحمد (ح ١٥١٩٨)، والترمذي (ح ٢٥٩٧) وقال: هذا حديث حسن صحيح، وقد روي من غير وجه عن جابر. وصححه محققو المسند.
وفي حديث جابر النص على أنهم من أهل التوحيد.
(٤) انظر: تفسير القرآن، مرجع سابق (٢/ ٤٥٩، ٤٦٠).

<<  <   >  >>